مقالات عثمان ابو غربية


في هذه المدونة نضيف لكم مقالات اللواء عثمان ابو غربية
الصفحة الرسمية على الفيسبوك
*********************************
استحقاق إعادة تقييم شامل

تتطور البرامج والتداعيات في الواقع الإقليمي بما يؤثر وسيؤثر أكثر على قضية فلسطين والقدس بشكل خاص.
حيث أن انعدام الظهير الإقليمي وانشغال الاقليم بمشاكله وصراعاته وجعل مناطق التماس مغلولة الأيدي لا يمكن أن يكون بمعزل عن برنامج مدروس اتجاه فلسطين وطبيعة الحل المنوي من قبل سلطات الاحتلال وهو حل لا يتعدى إطاراً عنصرياً في نطاقه يكون للمتبقي من السكان غير اليهود فرص إدارة أنفسهم وبعض الحقوق المدنية
.ويسعى الاحتلال إلى إخراج معادلة غزة واعتبارها مرحلياً هي الكيان الفلسطيني، وما نراه من تغلغل خطير لبعض المجموعات المصنعة أمريكياً في سيناء هو عامل وركن من أركان هذا البرنامج بعد أن فشلت محاولات توسيع قطاع غزة على حساب أراضي مصر الشقيقة.تجري الآن محاولة خطيرة لجعل سيناء منطقة غير آمنة تستنزف مصر وتشكل منطقة عازلة معها، وربما تؤسس لتقسيمها والاقتراب من قناة السويس، وكذلك تؤسس لحل في قطاع غزة على أساس خطة التوسعة وإنهاء قضية فلسطين.هذا جزء من المخاطر الإقليمية الواسعة النطاق، حيث يسعى الاحتلال لإقامة نطاق عازل عديم الوزن يتمكن من بسط نفوذه وسيطرته عليه.
 وهو يعمل الآن في كل الاتجاهات بمساندة من الولايات المتحدة وعن طريقها وطريق تطابق مصالحه معها في برامج التقسيم والإضعاف وضرب القوى العسكرية العربية ضمن برامج التدمير الذاتي وضرب أنفسنا بأنفسنا
.من خلال خلق نطاق مغلول الأيدي في محيط التماس سواء غزة أو لبنان أو سوريا أو الاردن المهدد باستقراره في كل لحظة، وكذلك الضفة الغربية، يتقدم الاحتلال بخطى وبرامج متسارعة للإطباق على الضفة والإجهاز على القدس.ما من شك أن الوقفة البطولية لشباب القدس وسكانها قد فاجأت الاحتلال وساهمت في توقفه الظاهري في بعض المحاور، لكن ذلك لم يسقط خططه أو تقدمه في محاور أخرى كالاستيطان والقمع والاعتقالات وتضييق الخناق على المقدسيين.اعتاد الاحتلال أن يحاول ضمن برامجه التقدم، فإذا أدرك أن الظرف غير ناضج فإنه يتراجع تكتيكياً ويعيد الكرة، وهذا ما يحدث الآن في القدس.لقد أظهرت القدس في دفاعها عن نفسها وعن طابعها العربي الإسلامي المسيحي درجة من البطولة والصمود لم يكن يتوقعها الاحتلال، لأنه لا يعرف طبيعة هذا الشعب، وهو كذلك لا يعرف طبيعة الأمة، وربما لا يتوقع أنه كلما ازدادت إجراءاته عسفاً كلما أسست لإرتداده عليه بنفس المقياس وبسرعة لا يحسبها.ومن الطبيعي أن يتوقع المقدسيون من الجانب الوطني الفلسطيني أن يقفز من واقعه الصعب، حيث أنه يمر في مرحلة إنعدام خيارات مجدية ولا يجد أمامه إلا خيارات الطريق السياسي الذي ما زالت الولايات المتحدة الأمريكية هي صاحبة الكلمة الأخيرة فيه في كل ما يتعلق بقضية فلسطين وقوة وتفوق وأمن كيان الاحتلال.والولايات المتحدة عملياً تكرر الجوهر مع قليل في تغيير الأسلوب وهو الجوهر الذي يؤدي إلى إهدار الوقت لمصلحة ترتيبات الأمر الواقع للإحتلال.وليس بعيداً عن سياستها الحقيقية تلك المواجهة القادمة في مجلس الأمن عن طريق منعها توفر تسعة أصوات مطلوبة لوضع مشروع قرار عربي يقضي بزوال الاحتلال ضمن سقف زمني أو استخدام حق الفيتو، إذا لزم ذلك، أو استخدام كل وسائل الضغط والحصار قبل ذلك وبعده بشكل تصعيدي كبير.إننا نقف أمام خيار الاستسلام أو مواجهة الصعوبات والتحديات الأخطر، وربما الحصار الخانق. ومن البديهي أن شعبنا لا يقبل خيار الاستسلام بأي ظرف من الظروف.شعبنا يتطلع إلى تغييرات في ميزان القوى دولياً وإقليمياً ووطنياً تعطيه أوراقاً جديدة وخيارات جديدة، بحيث يصبح لديه أكثر من خيار لمواصلة درب الحرية.ندرك أن درب الحرية لا بد له من ثمن، ومشهود للشعب الفلسطيني أنه بقي في إطار آخر احتلال في العالم يدفع الثمن والمعاناةوالتضحيات طيلة قرن متكامل دون كلل أو ملل وسيبقى على عهده، هذا مهما كانت الصعوبات.ولكن لا بد من تغيير نوعي في السياسات العربية والإسلامية لتقف أمام الذات والحقيقة وتعيد تقييم الظروف والعوامل المختلفة وتمتلك قوة التراجع عن تدمير بعضها وذاتها وكياناتها وشعوبها والأمة بأسرها قبل فوات الأوان.لقد ساهمت بعض الأطراف العربية في إسقاط أفضل سلاح وأكبر جيش عربي كان قد تجمع، وما زالت الجيوش العربية مستهدفة مثل الكيانات واحداً واحداً، وهذا الخضم العاتي هو الطوق الحقيقي للشعب الفلسطيني وخياراته.القدس تحتاج من الأمة وقفة مختلفة.


الانطلاقة

تمر ذكرى الانطلاقة الخمسون لنقف امام مراحلها و محطاتها نقرأ الماضي و نتمعن الحاضر و نستشرف المستقبل في ضوء التجربة و الدروس.و في المقدمة صحة الفكرة بكل ابعادها التي وضعت في 1-1-1965 موضع التطبيق و التي تمكنت عبر خمسين عاماً من انجازين اساسيين :الأول : انها ثبتت الشعب الفلسطييني على خارطة شعوب العالم بكل ما توفر من رموز لذلك و تداعيات بعد ان تعرض لنكران حتى لوجوده في نطاق عالمي واسع, تداعيا لمقولة ارض بلا شعب لشعب بلا ارض التي لم يكن فيها ذرة من الحقيقة .الثاني : ان الشعب الفلسطيني اصبح شعباً مسلحاً يمتلك بندقية خارج سيطرة الانظمة حتى في اطار تناوب المراحل والساحات و هنا لابد من التأكيد ان انطلاقة عام 1965 جسدت اول بندقية ثورية مقاتلة في الاقليم وفي اطار التحدي الاقليمي.لقد تمكنت حركة فتح ان تكون لاعباً اقليمياً و دولياً في مرحلة توفر القاعدة الارتكازية الآمنة . حيث امتد تعاونها ومساعدتها لحركات التحرر من امريكا اللاتينية الى وسط اسيا و كان من ضمن ذلك في اطار الأقيلم مواجهة ثلاثة اركان محيطة تتعاون مع كيان الاحتلال و تسنده و هي اثيوبيا و تركيا و إيران في زمن عهودها السابقة ، و قد دعمت حركة فتح الثورة الأريترية في مواجهة ما كان يمثله الامبرطور هيلا سياسي من ركن من اركان مساندة كيان الاحتلال , كذلك دعمت المناضلين و المجاهدين الاتراك حتى تمكنت من تحيد نسبي لتركيا حيث كانت تمتلئ معسكرات فتح بهؤلاء المناضلين و المجاهدين , وكذلك كان للمجاهدين و المناضلين بكل اطايفهم الايرانيين , لقد آمنت حركة فتح بدعم الشعوب المكافحة كأساس اول بدليل انها قدمت الدعم بعيداً عن الاقليم و قاتلت قواتها في وسط افريقيا و تحديداً في اوغندا لدعم الاستقلال و الحرية و مواجهة النفوذ الصهيوني . تماماً كما شاركت قواتها في الثورة الساندينية و في ثورات اخرى في امريكا اللاتينية .و غني عن الذكر التعاون الوثيق مع نضال جنوب افريقيا. امتد ذلك الفعل الثوري حين توفرت القاعدة الارتكازية الآمنة للشعب الفلسطيني خارج حدود سيطرة قوات الاحتلال و حين حركت فتح محيط خطوط التماس في القواعد الارتكازية حيث نشأت على يديها القوات الثورية للفئات المحرومة في اوطانها و كما رفع السيد موسى الصدر في حينه لقاء المحرومين من وطنهم مع المحرومين في وطنهم و كان ذلك البذرة الاولى لتواجد قوى مسلحة اصبحت اكثر تأثيراً و دوراً و التي ولدت في معسكرات فتح . معسكرات انطلاقة 1-1-1965 . و حتى تداعيات ذلك بلغت كل ما نشأ داخل الوطن من بندقية مقاومة ما بعد القاعدة الارتكازية الآمنة و توفير فرص في مراحل كان الشهيد ياسر عرفات و قيادة فتح و عقلية الشهيد ابو جهاد تظلل الفرصة التي اتاحت دعما اقليمياً من نوع ما بقي دون قوة القاعدة الارتكازية الآمنة في كل ظروفه .و كان ذلك على العكس من البنادق التدميرية التي ولدت من جنين مفاهيم تعود الى مراحل الانغلاق العقائدي و التي وجدت بذورها الارضية بعيداً في افغانستان ومن خلال دعم الولايات المتحدة الامريكية لمناهضة الوجود السوفيتي , و اصبحت تتحرك في فلك الولايات المتحدة المعلن او غير المعلن في نطاق سياسة الفوضى الخلاقة و ما استهدفته من تقسيم و تدمير ذاتي .مازالت خيوط التدمير الذاتي و الفوضى الخلاقة بيد الولايات المتحدة التي تعرف حدود ما تريده من كل طرف من اطرافها و هي تحرك الوقائع في هذا الاطار .تعرضت الثورة الفلسطيينية خلال مسيرة الخمسين عاماً لكثير من الضربات الخلفية التي كانت تتناوب مع كيان الاحتلال في مشاغلة واضعاف المد الثوري و محاولات تطويقه.و لكن الزلازل الاكبر التي صادفتها هذه المسيرة تتمثل فيما يلي :اولا: زلزال كامب ديفيد عندما وجدنا انفسنا بدون الركن الاساسي في الصراع العربي مع كيان الاحتلال و هي مصر العزيزة على قلوبنا .ثانياً : انتكاسة الجبهة الشرقية في الحرب الايرانية العراقية و التي كان يتم التطلع اليها كجبهة معاوضة .ثالثا : ما بعد حرب لبنان و حصار بيروت وقوع الانشقاق الذي ابعد قيادة الثورة الى تونس، وما اسفر عن هذا الابعاد دون ان يتيح حتى للمرتبطين في اطاره الاقليمي فرصة القاعدة الارتكازية الآمنة التي تشتبك مع الاحتلال .رابعا : سقوط الظهير الدولي الاتحاد السوفيتي بعد انتهاء الحرب الباردة عام 1988.خامسا : ضرب القوة العسكرية العربية التي تجمعت للعراق بعد هزيمته في معارك عاصفة الصحراء على يد تحالف حفر الباطن.لقد ادى كل ذلك الى فرص صعبة و خطرة حيث افتقدت الانتفاضة الثانية الى القاعدة الارتكازية الآمنة , و افتقدت الامة باسرها الى فرص درء المخاطر عن اوطانها .لقد شاب كل ذلك مراحل و احداث تستحق المراجعة و التوقف , و تستحق من كل الاطراف بلا استثناء ان تقف امام دروسها لكي تخرج الامة من مأزقها و تواجه المستقبل .سيبقى التعبير الحقيقي عن فكرة المقاومة هو توفير القاعدة الارتكازية الآمنة على قاعدة نظرية اساسية الاشتباك عبر الخطوط وفقاً لمفاهيم حرب الشعب و قوانينها .و سيبقى التعبير الحقيقي عن ارادة مواجهة المستقبل هو ان يراجع النظام العربي كل حساباته و انهاء خلافاته و ان يتمكن من الخروج من دائرة التدمير الذاتي و تحقيق التماسك مع الشعوب .
عضو اللجنة المركزية لحركة فتح
امين عام المؤتمر الوطني الشعبي للقدس


الحاجة إلى قطب إقليمي عربي

في خضم تبلور لأقطاب إقليمية غير عربية في منطقة تشكل فيها الدول العربية العدد الأكبر والأكثر امتلاكاً لمقومات الأمة، لم تتوفر في هذا الخضم فرصة لاستقرار الأمور لقطب عربي قادر أن يلعب دوراً إقليمياً، وخاصةً في الحفاظ على الأمن القومي العربي، وفي إرساء صيغة تعاون وتكامل عربي في مجالات الاقتصاد والتنمية والاستثمار، والتي يمكن لها أن تكون نواة لصيغة وحدة عربية حتى لو اتخذت مساراً تدريجياً.وعندما نقف أمام ضرورة وجود قطب إقليمي عربي، لا بد من توفر أو توفير معايير القطبية الإقليمية وشروطها واتجاهاتها.ولعل من أهم هذه المعايير الضرورية لأية دولة تتصدى لهذا الدور في واقعنا العربي هي:أولاً: أن تمتلك هذه الدولة وربما إضافة لتحالفاتها مقومات القطب الإقليمي وحتى آفاق اللاعب الدولي، وهو أمر يحتاج إلى معادلة من الجغرافيا والديموغرافيا والاقتصاد والقوة العسكرية والتماسك الداخلي والاستقرار والوحدة مع الشعب.جميع هذه العوامل ضمن حساب نسبي ينبغي أن تتكامل لتوفير ناتج لمعادلة مؤهلة.ولعله من الطبيعي جداً أن تكون دولة مثل مصر هي الآكثر امتلاكاً لناتج هذه المعادلة.ثانياً: توفر الحافز الشمولي، وقد أثبتت التجربة وتقتضي الحاجة إلى امتلاك راسخ لأركان الرسالة للأمة العربية بأسرها تندرج في ثلاثة هي:
فكرة العروبة كفكرة موحدة لدائرة هي الوطن العربي، الذي يمكن أن يتحول إلى قوة عالمية تسهم في الأداء الحضاري الإنساني. 
فكرة التحرير والتحرر من الاحتلال الأجنبي وفي المقدمة فلسطين التي تشكل ركناً لا يمكن قيام قطب عربي بدونه، حيث لم تقف قوة إقليمية على قدميها بدون غطاء فلسطين.
فكرة العدالة والتنمية وهي البرنامج والوعد للإنسان العربي من خلال إقامة الحكم الرشيد والاستثمار المشترك والتكامل واحترام حقوق المواطن ودوره ومشاركته.يجدر التطرق إلى معادلة جوهرية لكل فكرة من هذه الأفكار:
فكرة العروبة أو القومية العربية في إطار الوطن العربي كله. والتي يجب أن تنطوي على صيغة لا تتعارض مع التنوع الديني أو المذهبي أو العرقي وحقوق جميع هذه العناصر المكونة للأمة في هذا التنوع.يمثل الإسلام دين الأغلبية وهو مرتبط بالعروبة إرتباطاً خاصاً، حيث أن لغة القرآن الكريم هي اللغة العربية، وقد أبرزت بعض آياته هذه الصفة.لا بد من التكامل وضبط الإيقاع بين العروبة والإسلام على أسس سليمة، حيث أن فكرة العروبة ضمن بعض الخصوصيات تكون هي أساس وحدة المجتمع والدولة، بينما يكون الإسلام في مواقع أو خصوصيات أخرى أكثر توحيداً، وإذا كانت الوحدة في إطار الوطن العربي هي الهدف فإن من الضروري التكامل بين العروبة والإسلام.ومن المهم التطلع إلى تطوير ديني وقومي لهذا التكامل.ثمة اجتهادات تعتبر القومية متعارضة مع الدين الإسلامي وهو الأمر الذي حسمه القرآن الكريم في الآية الكريمة " يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ ".تقرر هذه الآية تكوين الناس شعوباً وقبائل وهي مصدر فكرة القومية، لأن القبائل في الأساس تعبر عن العرق.وكذلك تقرر أن الهدف من جعل الناس شعوباً وقبائل أن يتعارفوا ومعنى التعارف هو الانفتاح الإنساني والتفاعلي الإيجابي بين الأمم والقوميات، والذي يمكن أن يصل إلى الوحدة بين من يختارها أو إلى منظومة الإنتماء الإنساني.وتقرر أيضاً هذه الآية أن كل ذلك بدون تمييز عنصري أو شوفينية لأن أكرمكم عند الله أتقاكم.من ذلك يمكن القول أن فكرة القومية العربية لا بد أن تتكامل مع دين الأغلبية في إطار استيعاب الأديان الأخرى والعرقيات الأخرى التي تدخل في إطار هذه الوحدة بدون تمييز.كان لا بد من التطرق إلى هذا المعنى ليس لإصدار الفتاوي، فهذا الأمر له أهله وثقاته، ولكن لتوفير تكامل المعاني.وعليه فإن هذه الآفاق القومية والتجارب وطبيعة تشكيل الوطن العربي تحتم المساواة في المواطنة دون أي تمييز بين أغلبية وأقلية، ومراعاة حقوق جميع الأطياف على كل المستويات. حيث يكون للمسيحيين والمسلمين بمختلف المذاهب والطوائف نفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات.قد تبرز فكرة العروبة كعامل راجح للوحدة في دول مثل مصر وبلاد الشام على سبيل المثال، بينما تبرز فكرة الإسلام كعامل راجح في دول مثل المغرب على سبيل المثال كذلك.وهذا ما يجعل من الضروري تكامل الإيقاع.من جانب آخر لا بد من الاعتراف للأقليات الدينية أو المذهبية أو العرقية بتمايزاتها وحقوقها الذاتية، بحيث لا يتم منع اللغات أو اعتمادها في الإطار الوطني أو الحد من الخصوصيات الثقافية وحرية الأديان، ينبغي الاعتراف المتساوي بحقوق الثقافة واللغة والدور للأقليات العرقية والمذهبية في إطار المساواة بين المواطنين ووحدة الأمة.
تنطوي فكرة التحرر الوطني على التخلص من كل احتلال أو نفوذ أجنبي في الوطن العربي، وتبرز هنا مركزية قضية فلسطين ومهمة إزالة الاحتلال عنها لكل الأسباب والمعاني والآثار لذلك سواء: استعادة حقوق الشعب العربي الفلسطيني أو الحقوق العربية في فلسطين، أو إزالة أهم عائق للوحدة والتواصل العربي بين مشرقه ومغربه، أو أزالة عامل الاستنزاف والتخلف ومناخ الصراع وسباق التسلح والأخطار وهدر الإمكانيات والفرص نتيجة لوجود هذا الاحتلال.ينبغي على الأمة توفير كل الشروط اللازمة لتحقيق هذا الهدف الجامع لكل المشاعر العربية إسلامية ومسيحية. وتوفير كل الوسائل المجدية التي توصل إلى هذا التحقيق.إن دعم وجود وبقاء أبناء الشعب العربي الفلسطيني في وطنهم هو محور مهم، وكذلك فإن قضية فلسطين هي مسؤولية قومية شاملة حتى وإن تطلبت ظروف الصراع والعلاقات الدولية إبراز العنوان الفلسطيني. إن الموقف من فلسطين هو الركن الأقوى للقطبية الإقليمية.
أما فكرة العدالة والتنمية فهي القضية التي تمس كل مواطن عربي وتتصل بإحتياجاته وبتوفير كرامته وتوفير الأنظمة والقوانين التي تحقق العدالة والمساواة وتوفير مقومات التنمية والتقدم والبناء النوعي للإنسان والارتقاء بالمجتمع وتأهيل الوطن العربي للتكامل والوحدة سواء الفورية التي تبدو بعيدة المنال الآن أو التدريجية، وتأهيله كذلك لأن يكون جزءاً من تحقيق رسالة الأمة العربية ضمن الأداء الحضاري الإنساني.ثالثاً: لا بد لأي قطب عربي أن يساهم ويرعى حل الإشكاليات العربية سواء في إطار العلاقات الثنائية أو من خلال صيغ النظام العربي، يجب أن يكون قلعة للأمة ومرجعية في إطار التمييز العملي ضمن صيغة النظام العربي تقوم على أساس المساواة وتطوير هذا النظام وأن تستفيد من الوزن المميز للقطب العربي.رابعاً: ينبغي للقطب العربي أن يتمتع بالتوازن في مضمار العلاقات الدولية على أساس رفض الهيمنة أو محاولات تقسيم الدول العربية والانكفاء بها حتى إلى ما دون القطرية.ينبغي التمييز بين القوى الحليفة والقوى المعادية. ولا بد لأي قطب عربي أن يتمتع بدرجة من الاستقلالية وعدم الخضوع كمنطقة نفوذ لأي من الأقطاب الدولية.ومن جانب آخر ينبغي أن يكون المعيار الاساسي في الموقف من أطراف التنازع الذاتي الحالي يستند إلى أساسين : أ – التفريق بين الأطراف التي تصب مواقفها في هدف التقسيم وخلق كيانات متناقضة في إطار الدولة الواحدة وبين الأطراف التي تصب مواقفها ضد التقسيم والتدمير وضرب القوى العسكرية والإقتصادية.ب – وكذلك التفريق بين الأطراف التي تقع في دائرة الهيمنة الأجنبية وبين الأطراف المؤمنة بالتحرر وعدم الخضوع.يحتاج الوطن العربي إلى قطب إقليمي عربي تماماً مثلما تحتاج بعض الدول العربية إلى ضمان أمنها الاستراتيجي ليس عبر الإنكفاء وإنما عبر تأمين نطاقها الحيوي بأشكاله سواء في دائرة الجوار أو دائرة العوامل المؤثرة تأثيراً حيوياً.ما زالت تيارات قائمة في الوطن العربي تتطلع إلى تجربة جمال عبد الناصر الذي تمسك به شعب مصر والأمة العربية حتى في ذروة هزيمة عام 1967 كتجربة مرشدة وكضرورة لاقتفائها.لأن خط جمال عبد الناصر واتجاهه كان مميزا بهذه المعاني للقطبية العربية، وبالمعنى الأكبر لتطلع الإنسان العربي نحو العزة والكرامة.



الحركة الوطنية الفلسطينية على المفترق


العالم كله على مفترق بين احادية القطبية وتعدديتها، والاقليم على مفترق تداعيات "الخطة المشتركة الشاملة للعمل"، بين إيران والغرب في نطاق 6 + 1 وتنفيذها، كل ذلك له تداعيات مؤثرة تستدعي تقديراً للموقف معمقاً حيالها.
ولكن الحركة الوطنية الفلسطينية ككل وحركة فتح كعمود فقري فكرته الوطنية الفلسطينية على مفترق أصعب، خاصة أن يد المحيط الاقليمي مشلولة بما يقع من أحداث وأن متغيرات الأمر الواقع على الأرض من قبل الاحتلال تستدعي إعادة تقييم وتقدير للموقف ومواجهته أكثر عمقاً.
نحن أمام خطة للاحتلال مضمونها عزل كافي لقطاع غزة عن الضفة وتحييد غزة للاستفراد بالضفة وتحقيق مقولة دولة بنظامين نظام لكيان الاحتلال فيه صفة المواطنة ونظام فيه صفة السكان للفلسطينيين في أرضهم على قاعدة حكم ذاتي وكنتونات وتمييز عنصري وعودة الإدارة المدنية.
يتم تحييد غزة بهدنة وتخفيف قبضة الحصار، وبإتفاقية مباشرة أو غير مباشرة لمرحلة محددة يكون فيها قد فرغ من أمر الضفة الغربية وتفرغ للقطاع ليطبق فيه أسوأ مما فعل بالضفة الغربية.
إن المقترحات الدولية والاقليمية وتداعيات ما سمي بالربيع العربي والمشاكل الساخنة في الوطن العربي وخطة الاحتلال تجعل كافة الوطنيين الفلسطينيين أمام اسئلة مثل المصالحة وخطة المواجهة الجديدة وتحقيق الذات.
لا بديل عن مصالحة وطنية فلسطينية بدون خسارة للمحيط الاقليمي وبدون الدخول طرفاً في نزاعاته القائمة، وعكس ذلك فهو تنفيذ مقصود أو غير مقصود لخطة الاحتلال.
ومن المهم التطرق إلى مفترق ذاتي أمام حركة فتح بصفتها تجسيداً للوطنية الفلسطينية.
تعيش فتح أخطر منعطفاتها منذ نهايات الانتفاضة الثانية، وقد صادفت مفاصل مفروضة تفت من عضدها تدريجياً وخاصةً عندما طرحت الولايات المتحدة ومن خلفها الاحتلال مسألة انهاء فتح وتغيير طابعها الوطني في أثناء الانتفاضة الثانية:
لقد تم العمل على مد الأيدي في تنظيم حركة فتح وشارك في ذلك مسؤولون من أمثال دنيس روس ودول استضافت ودعمت محاولات تغيير الطابع، ولكن تنظيم فتح وروحها كانا عصيان على تقديم الثمن بالنتائج المؤثرة.
كذلك جرى الحديث عن التخلص من الحرس القديم ومن روح الفكرة والتربية الأولى واختراق صفوف الحركة بأعضاء لم تتشبع روح الفكرة.
وهنا بدأت المؤثرات تأخذ مساراً تدريجياً تراكمياً بحافز أو بآخر، فقد تم التخلص من جزء كبير من الحرس القديم عن طريق التقاعد او غير التقاعد، ثم جاء مفترق الانتخابات التشريعية ووجود قائمتين للحركة وطريقة توحيد القائمتين والانفلات الترشيحي والخسارة التي منيت بها الحركة، ثم وقع الانقسام وبدأت فتح تخرج تدريجياً من الحكومة ومفاصلها، ويضيق عليها الخناق المالي، وتتفشى فيها أكثر من ذي قبل روح الانفلاش وعدم الانضباط بل وعدم الالتزام.
وعلى أثر تباين لوجهات النظر تم انعقاد المؤتمر العام السادس في بيت لحم، وتم العبث بعضويته، لقد تمكن المؤتمر من الحفاظ على الفكرة والمبادئ والأهداف واتخاذ بعض القرارات المفصلية وقد ترافق ذلك مع تنبيهات فيها الكثير، ولكن المؤتمر نجا بالفكرة.
وجاءت النتائج الانتخابية لتعكس الايجابي والسلبي بما تخلل المؤتمر من تعويم كبير للعضوية واسلوب خاطئ لمشاركة الاعضاء من قطاع غزة في الاقتراع. كانت النتائج للأطر المركزية تشبه الفسيفساء وهو ما أثر على توزيع المهام وأدائها.
لقد وجدت فتح نفسها مغلولة اليد تقريباً في الواقع الحكومي وأصبح عليها غرم السلطة وليس مغانمها، وأصبحت تهتز شعبيتها تحت وطأة تلك المغارم.
تقف فتح أمام مفترق جديد وهو المؤتمر العام السابع والذي يمكن أن يكون رافعة للحركة أو مجزرة فيها ابتداءً من عضويته وحتى نتائجه، في ظروف أصبح الممكن ضيقاً على فتح بروحها الأولى.
الاحتلال يريد فرض سقف للمطالب الفلسطينية أقل من السقف الحالي، الذي هو أصلاً أقل من الحقوق الوطنية الفلسطينية، وسيخدمه توفير صيغة بنيوية تتناسب مع السقف المطلوب وخاصةً عن طريق تغيير الطابع للحركة والنوعية البنيوية.
وهنا فإن فتح تقف على أخطر مفترقاتها، من الطبيعي أنه من الواجب تحصين المؤتمر السابع والحركة وتوفير البنية التي تشكل ضمانة وطنية وتشكل مشاركة مقنعة لا تؤدي إلى ارتداد الكادر او يأسه وخاصة من النواة الصلبة للحركة.
هل يصنع هذا المؤتمر تحصيناً للحركة أم يكون حلقة جديدة وربما أخيرة من حلقات إنهاء روحها وبنيتها وطابعها وطبيعتها.
ذلك ما يجب أن نقف أمامه بكل ما ندخر من صلابة سنوات الكفاح وروحيته.
وإذا كانت فتح على المفترق فإن منظمة التحرير على مفترق، وقد أصبحت بحاجة لمشاركة وطنية أوسع وأصبحت أطرها شبه مشلولة وبحاجة لتغييرات معمقة.
لا بد أن نقف أمام ضرورة إعادة بناء منظمة التحرير وتفعيل أطرها بأقصى درجة من المشاركة وتوسيع القاعدة وتعميق الأطر.
أصبح من المطلوب أن تدرك كافة القوى أن التماسك الوطني الشامل هو الأساس وهو أهم من مكاسب سلطوية هنا أو هناك وأن الوقوع في فخ المكاسب السلطوية والتفتيت الجهوي والذاتي هو خطة للاحتلال مدروسة ومرسومة بعناية، وأنه يتقدم فيها وهو ينظر إلى ما هو أبعد بكثير من أمداء رؤيتنا للزمان.
لا يجب أن نقع في أزمة أن لا نرى إلا ما هو تحت أقدامنا، يجب أن نستشرف المستقبل وأن يكون واضحاً لدينا ما سنواجه به خطط الاحتلال للفتنة والانقسامات والتقسيمات ولفرض مناخات طاردة وخاصة للشباب.
لقد أصبح مجرد التماسك الوطني والحفاظ على الذات هدفاً على كل هذه المفترقات.
والسؤال الآن : هل بعد المؤتمر السابع سنقول لقد انجزت مهمة إنهاء فتح وطابعها وروحها، لا يجوز أن يكون مجرد الانتقال السلس من جيل إلى جيل هو الهدف، يجب ان يكون الهدف إيجاد شبكة أمان وطنية ببرنامج يتناسب مع الضرورات وصيغة تشكل ضمانة وطنية.


الحفاظ على الذات

في إطار محاور المواجهة والتصدي المتعدد الأشكال فإن محور الحفاظ على الذات والبقاء في أرض الوطن وفوق ترابه يتنامى في سلم الأولويات ويستحق منحه برامج تعزيز ما يتم وتلافي نواقصه.ما من شك أن العمل على جبهات الوضع الدولي وعدم إراحة الاحتلال، وذلك بكافة أشكال المقاومة المناسبة والمجدية، وكذلك العمل في إطار تعزيز أوراق القوة وطنياً وإقليمياً ودولياً هي أمور أساسية وتستحق بذل المجهودات والدماء لاسترداد أو الحفاظ على زمام المبادرة فيها جميعاً.ولكن واضافة إلى الأهمية التاريخية الدائمة لمحور الحفاظ على الذات، فإنه في ظل ميزان القوى العربية الراهن والتوغل والإطراد في توفير مناخات طاردة من قبل الاحتلال إلى جانب كل انتهاكاته وبرامجه في المحاور الأخرى، من الواجب الآن وضع برنامج حقيقي يتوفر له التفهم الوطني والشعبي والقومي في آن واحد. إن الحفاظ على الوحدة مع الشعب والتماسك الشعبي هو أساس المواجهة وأساس القدرة على التحدي.من هنا فإن مراجعة هامة لدرجة التماسك مع الجماهير ومنحها الأولوية في الخطاب والتعبئة ووضوح التحديات والمواقف هو أمر في غاية الضرورة الحتمية.يتنامى عمل الاحتلال في تعزيز المناخات الطاردة انطلاقاً من أنه يريد أرضاً بلا سكان ومن مبدأ أولوية الهجرة إليه والاستيطان، في العديد من المجالات وخاصة ثلاثة محاور، يركز فيها على تشكيل مناخات طاردة صعبة للإنسان الفلسطيني هي:أولاً: المحور الاقتصادي، وذلك بتوفير خناق إقتصادي لا يتمثل بالحصار الاقتصادي ومنع الإمدادات المالية بطريقة من الطرق واختراق الاقتصاد الفلسطيني وتهميشه، وإنما كذلك بتدمير أسس الاقتصاد الفلسطيني التي قام بتدمير معظمها فعلياً، وهو الآن يتطلع إلى الإجهاز على بقاياها.كان من أهم مصادر الاقتصاد الفلسطيني الزراعة والسياحة، وخاصة الدينية والصناعات الصغيرة، ونحن نلمس تماماً مدى التقلص المطرد في كل منها بشكل دوري ومستمر.في نطاق الزراعة تمت مصادرة المياه والاستيلاء على مخزونها وحتى سيلانها، وكذلك مصادرة الأراضي التي يمكن فيها إحداث التطوير الزراعي، وتدمير الأراضي المزروعة وقطع الأشجار والاستيلاء على المحاصيل ومنع المزارعين من التمكن من متابعة مزروعاتهم سواء بواسطة الجدار أو الاجراءات العسكرية في الأغوار، حيث تتم إقامة الانتاجات الاستيطانية المجزية فيه، وكذلك إحداث الكساد للمنتوج الزراعي الفلسطيني أمام المنافسة الباهظة مع المنتوجات الاحتلالية.أما في نطاق السياحة فقد تمت مصادرة كل فرص ومفاصل الدخل السياسي، حيث أن السائح يحضر بوسائل النقل الاحتلالية وبدرجة كبيرة عبر المعابر الاحتلالية أو التي يسيطر عليها ويتنقل في حافلات شركاته، ويستمع إلى رواية مرشديه السياحيين، ويقيم في الفنادق التي لديه، وهو يحارب وبكل الوسائل أي صرف سياحي إلى درجة أنه دأب على إيهام السياح أن لا يأمنوا للمناطق العربية وللبائعين العرب وسبق وتم الحديث على تكليفه لبعض المتعاونين القيام بالسرقات وعمليات الاحتيال على السياح لإساءة سمعة المناطق التي تكتظ بالمواطنين العرب وعزل السائح عن سماع رواية غير رواية مرشده السياحي.وكذلك تم تدمير الصناعات من خلال إما تدمير المصانع أو قطع سبل عملها أو جعل انتاجها ونقله باهظاً، علماً أن هذه الصناعات كلها صناعات صغيرة، وفي النادر فإنها صناعات متوسطة. لقد قل بشكل ملموس عدد المصانع الصغيرة وخاصة في مدن الخليل ونابلس من خلال المناخات التي تجعلها غير قادرة على الاستمرار، وكذلك تم تدمير المصانع في غزة من خلال القصف والضربات العسكرية، وفي غيرها من المدن الأخرى.ثانياً: المحور الأمني، إضافة إلى إجراءاته القمعية ومطارداته وعمليات القتل والأسر والإبعاد والهدم وغيرها، فإن الاحتلال يسعى إلى توفير مناخات أمنية تتعذر فيها الحياة الطبيعية على المواطنين العرب، وهو يحاول تغذية هذه المناخات أولاً عبر الفتن والانقسامات الداخلية ونشر الفوضى والفلتان الإجرامي، وقد ركز في الفترات الأخيرة على محاولاته بالعبور عبر كل الثغرات الداخلية أو التمايزات المجتمعية والجهوية وغيرها.
في حقيقة الأمر هناك مناعة لدى الشعب الفلسطيني لم تسمح للاحتلال حتى الآن بتحقيق المستويات التي يريدها. وقد ظهر تركيزه على اللجوء الى استفزازات وتعديات المستوطنين خاصة مع ازدياد أعدادهم في الضفة وتسليحهم وتدريبهم ومساندة الجيش وقوات الأمن لهم، حتى أصبحت الحركة على الطرقات غير آمنة، وحركة القرويين إلى أراضيهم غير آمنة ومحاصيلهم وأشجارهم ومزروعاتهم غير آمنة، وما زال يستفحل هذا الأمر بموازاة استفحال العمل على استخدام بعض المرتبطين معه لأحداث الفتن والانقسامات وإجراءات التعدي على المواطنين وإنتهاك أمنهم.ثالثاً: محور التخريب الاجتماعي والتخريب النوعي للإنسان الذي يمارسه الاحتلال بالعديد من الوسائل سواء بالإسقاط الأمني أو الأخلاقي أو نشر آفة المخدرات وحتى النزعات الخاطئة.ثمة مشكلة كبيرة أمام الشباب حيث يسعى الاحتلال إلى تحقيق قناعة لديهم أن لا مستقبل لهم في وطنهم، ويساعد على ذلك إضافة لمحاولته نشر المناخات الموبوءة عدم القدرة على استيعاب أعدادهم وخاصة خريجي الجامعات في سوق العمل الفلسطيني.يعاني الخريجون من إنعدام فرص التوظيف كما تعاني السلطة من تخمة التوظيف، وكذلك فإن الفعاليات الإنتاجية غير متوفرة لاستيعاب الأعداد التي تتزايد عاماً بعد عام. ولا يبقى إلا فرص قليلة في مجال قطاع الخدمات التي تتناقص قدرتها على الاستيعاب كذلك.هذه المحاور للعمل الاحتلالي وغيرها وكثير من التفاصيل الأخرى هي ما يستوجب تركيز المجهودات ووضع الحد الأقصى الممكن من البرامج في إطارين: الممكن المتوفر، وتعويض نقص الإمكانيات بالمجهود الإنساني والبناء المعنوي المستمر.يتمتع الشعب الفلسطيني بأرضية خصبة، لذلك من خلال إيمانه بالصمود وقدرته على الصبر ومواجهة قسوة التحديات.من الواجب وجود برامج تعزز روح الصمود والبقاء في الوطن وفوق ترابه وهي تستند إلى كل هذه الكثافة من طاقة الصمود لدى الشعب.وفي هذا الإطار هناك استحقاقات ومهام عمل أساسية يجب استمرار السعي لتوفيرها. ما من شك أن بعضها يتعلق بالعمل في الاتجاه العربي والإسلامي والإنساني، ولكن جزئها الآخر يتعلق بالعمل الوطني الفلسطيني الذاتي وهو ما يتلخص بما يلي:

أولاً: تحقيق الوحدة الوطنية وتعزيزها في كل مجالاتها ومستوياتها وتوفير كافة مستلزماتها، لأن قوة التماسك الوطني هي الأساس الحقيقي لسد الثغرات التي يمكن أن ينفذ منها الاحتلال، وهي الأساس للقدرة على التصدي ومواجهة التحديات.ثانياً: ضبط برامج العمل الرسمية وتكريسها على أساس أولوية الحفاظ على الذات والصمود في الوطن. وبناء اقتصاد المحافظة على الذات.ثالثاً: الإصلاح ومكافحة كل مظاهر الفساد وما ينطوي عليه من هدر أية قيمة أو أمكانيات يحتاجها الواقع الوطني.رابعاً: الإصلاحات التنظيمية في كافة التنظيمات والتشكيلات الفلسطينية وتمتين البنى وتصحيح مساراتها ومكافحة النزاعات الخاطئة.خامساً: ضبط الإيقاع بين هذه البنى جميعاً وفي نطاق الأداء الوطني على كل الصعد بما فيه المنظمات الأهلية والقطاع الخاص والاستثمارات ليكون كل ذلك موجهاً في نطاق تحقيق الأهداف الوطنية.سادساً: في ظل هذه القيود على القطاعات الاقتصادية وقلة الموارد لا بد من الاعتماد على الموارد البشرية والتعليم وتحقيق قفزة تعليمية كبيرة، والتركيز على البحث العلمي والتربية وبناء الإنسان، لأن بناء الإنسان هو المقدمة لبناء المجتمع والمؤسسات وتوفير رأسمال وطني هو الإنسان.سابعاً: التركيز على البناء النوعي للأجيال الشابة ذكوراً وإناثاً وتربيتهم وتحصينهم وتعزيز مناعتهم ضد التخريب النوعي للإنسان وإعطائهم فرص المسؤولية والدور الوطني والعمل لتوفير أقصى ما يمكن من فرص العمل.ثامناً: التلبية بالحد الأقصى الممكن لإحتياجات المواطنين وتوفير العدالة الإجتماعية والتكافل الإجتماعي الإلزامي والطوعي.لا بد من التكافل الوطني للتخفيف من أعباء الفقراء وتعزيز قدراتهم على البقاء والتطور النوعي. خاصةً وأننا نرى أبناء الفقراء هم الأكثر عطاءاً أو في مقدمة من يبذل التضحيات من أجل الحرية والكرامة وزوال الاحتلال سواء في المدن أو القرى أو المخيمات. إن ذلك سيعزز الشعور بالعدالة والمشاركة والتماسك.تاسعاً: النهوض بالثقافة، الرمز القومي، ثقافة الصمود، وثقافة الخصائص والتاريخ الفلسطيني العربي، وثقافة الرواية الفلسطينية، التعبئة المعنوية والوجدانية، ومن ناحية أخرى التفعيل الثقافي العام، الذي يعوض العبث في المناهج التعليمية وتغييرها من قبل الاحتلال، يجب أن ندفع إلى الأمام بكل اتجاهات الثقافة الوطنية والعربية.إن توفير كل مستلزمات البقاء في الوطن هو إضافة تعزز روح الصمود وإرادة البقاء الصلبة التي يمتلكها الإنسان الفلسطيني وهو يدرك أنه غير منفصل عن عمقه العربي القومي.


الشرق الأوسط وتبلور الأقطاب الاقليمية



يتواكب الصراع الذي ما زال قائماً ضد أحادية القطبية مع تشكيل عالمي جديد، حيث تأخذ الولايات المتحدة دور القطب الواحد متزعمة العالم الغربي، بذيلية أوروبية وتبعية في دول ومناطق نفوذها.
بينما تنهض روسيا ومعها الصين ودول البريكس والتحالف مع إيران.
ويتضمن هذا الخضم تركيزاً من قبل الولايات المتحدة على تطويق روسيا بمنظومات تسليحية وبحصار اقتصادي وبدفع أوروبا إلى التقليل من اعتمادها على العلاقات الاقتصادية مع روسيا وخاصةً في مجال الغاز، ومن الواضح أن سياسة تطويق روسيا بالأحلاف التي برزت في خمسينات القرن الماضي هي بذور للعقلية نفسها ضمن معطيات جديدة لمحاولات التطويق والعزل من نوع جديد.
تؤثر خارطة العلاقات الدولية وخضمها بدرجة أساسية على المجريات في كثير من مواقع العالم، ومنها ما يسمى الشرق الأوسط، حيث يتم في مناخه الصراع على النفوذ من خلال مواقع القطبية الاقليمية بالعمل المباشر أو غير المباشر. علماً أن القطب الإقليمي هو الدولة أو القوة المقررة في الاقليم والتي تسير في فلكها دول في نطاق الاقليم، وبالتالي لها دور أو أذرع خارج حدودها.
ومن الممكن القول أن عدة أطراف لها مزايا بدرجة من الدرجات لأن تكون أحد الأقطاب الاقليمية، وهذه الأطراف البارزة اليوم هي: إيران، تركيا، كيان الاحتلال، مصر، السعودية.
من الواضح في الوقت الراهن أن الأمر يكاد يسفر عن ثلاثة أقطاب مهيأة، ولكل من هذه الأطراف الخمسة نقاط قوته ونقاط ضعفه، والناتج لمعادلة القوة والضعف هو ما يقرر نتيجة المعادلة التي قد تمتلك استقراراً متوسط الأمد أو بعيد الأمد.
بينما تمتلك الأطراف العربية أكثر نقاط الضعف وخاصة بعد أن هزم المال العربي السلاح العربي في حفر الباطن، فإن إيران تمتلك أفضل المزايا.
* وهنا لا بد من التوقف عند تقييم مكثف لنقاط القوة والضعف بدءاً بإيران، حيث أن من أهم مزاياها ما يلي:
أولاً: مخزونها من النفط والغاز ويكاد يكون مخزونها من الغاز الذي يزيد عن ستة وعشرين ترليون متراً مكعباً هو الأكبر في العالم الذي بإمكانه أن ينافس المخزون الروسي الجبار، والذي يبلغ أربعة وأربعين ترليون متراً مكعباً.
ثانياً: امتدادات نفوذها وتحالفاتها الاستراتيجية، وأذرعها في كل من أفغانستان، العراق، سوريا، لبنان، اليمن، إضافة إلى تأثيراتها السياسية والمذهبية في أماكن أخرى. لكل من هذه الأذرع ما يعطيها دوراً أساسياً، حيث أن تواجدها سواء كان مباشراً أو غير مباشر في سوريا ولبنان يجعلها على حدود فلسطين المحتلة، وكذلك تواجدها في اليمن الذي يعطيها مزايا هامة قد تصل إلى تحكم استراتيجي في البحر الأحمر. تتقاسم إيران السيطرة على مضيق هرمز بما يمكنها من إغلاقه، ومن خلال نفوذها في اليمن بإمكانها أن تتحكم بمضيق باب المندب، وهما مضيقان استراتيجيان لكثير من الدول العربية خاصةً.
من خلال مضيق باب المندب يمكن التأثير على المصالح الاستراتيجية لكل من السعودية والاردن من خلال ميناء العقبة، والأهم التأثير على قناة السويس واقتصاد مصر، حيث أن مضيق باب المندب بالنسبة للقناة يشبه منابع النيل بالنسبة لنهر النيل، وكلاهما حيوية استراتيجية لمصر.
من البديهي أن هذا الامتداد لن يكون مقبولاً من الأطراف المعنية.
ثالثاً: تحالفها مع مجموعة البريكس وفي المقدمة روسيا والصين، يجب أن نأخذ بعين الاعتبار أن القوى الغربية لم تيأس من جعل الغاز الإيراني يتحول إلى منافس للغاز الروسي وهو أمر لا يزال بعيد المنال.
رابعاً: موقعها الجيواستراتيجي، فهي تشارك في الحدود مع عدد من الدول مشاركة هامة، إضافةً إلى مشاطئتها في بحر قزوين والخليج العربي ومضيق هرمز، وبحر عمان والمحيط الهندي عموماً.
خامساً: قوتها العسكرية وما تمتلكه من تقدم في التسليح على أعلى المستويات وفي كل الصفوف، وهي تكاد تطرق باب السلاح النووي، ويأتي ترتيب جيشها الآن الثاني والعشرين من بين جيوش العالم.
سادساً: تقدمها العلمي في مجالات التكنولوجيا والعلوم الأخرى ومنها العلوم النووية، والفضائية، وكذلك البحث العلمي المطرد لديها.
سابعاً: لديها هامش استقلال أكثر من جميع الأطراف الأخرى، إضافة إلى تركيزها على التناقض الرئيس مع كيان الاحتلال.
من جهة مقابلة، لعل من أهم نقاط ضعفها تعدد مكوناتها القومية الكامنة في ظل سلطة مركزية قوية ومبدأ ولاية الفقية، والتي قد تطل منها بعض المخاطر حيال أي ضعف لهذه السلطة، ومن أبرز مكوناتها القومية: الاذرية، والكردية، والعربية، والبشتون، إلى جانب الفارسية أكبر القوميات، إضافة إلى قوميات أخرى أصغر حجماً.
وكذلك ما تعانيه من حصار إقتصادي يفرضه العالم الغربي بتحريض واضح ومباشر من قبل كيان الاحتلال في فلسطين، كما يحاول هذا العالم تسعير صراع مذهبي من شأنه إضعاف جميع أطرافه في المنطقة، وهي أطراف إسلامية بصفة عامة.
* أما تركيا فإنها تستمد نقاط القوة مما يلي:
أولاً: دورها في حلف النيتو.
ثانياً: قوتها العسكرية، يصنف جيشها كأقوى جيش في الاقليم وترتيبه الثامن بين جيوش العالم.
ثالثاً: تقدمها الاقتصادي.
رابعاً: تعتبر تركيا عقدة مفصلية لمرور الغاز إلى اوروبا، وهو ما يوفر لها مردوداً كبيراً سواء من عائدات المرور أو فرص الاستهلاك، وتتمتع بتواصل أوروبي من خلال الجغرافيا والجوار، إضافة إلى تعدد حدودها في منطقة لها كل هذه الأهمية، ولكن لتركيا نقاط ضعف هامة منها:
أولاً: ينطوي تقدمها الاقتصادي على ضعف جوهري، حيث حجمه الظاهري يبدو أكبر من نقاط ضعفه الموضوعية، بينما تعاني تركيا من مديونية كبيرة.
ثانياً: مشاكلها الداخلية وخاصةً مع الأكراد، إضافة إلى صراعات تاريخية أخرى.
ثالثاً: نزاعاتها مع الجوار، إذ أنها أخفقت في بعض الأدوار التي قامت بها مؤخراً وأهمها موقفها المعادي لسوريا، وإتفاقها لإنشاء منطقة عازلة في الشمال السوري بموازاة منطقة عازلة أو شريط حدودي جنوباً من قبل كيان الاحتلال.
وهي ممر مهم للقوى التدميرية في سوريا، إضافة إلى سوء علاقاتها مع مصر وهو ما أعاد استيقاظ شعور العداء تجاه التسلط التركي القديم إلى الشارع العربي.
ورغماً عن ذلك فإن شراكتها في حلف النيتو وكونها مفصل عبور للغاز وما تملكه من موقع وتقدم يجعلها قطباً إقليمياً.
* يستمد كيان الاحتلال قوته مما يلي:
أولاً: وأكثر من أي شيء آخر علاقته العضوية مع الولايات المتحدة الأمريكية وكونه ركن من أركان الأهداف الاستعمارية في المنطقة، وكون قوة وأمن وتفوق هذا الكيان من أولويات الاستراتيجية الأمريكية، وما يكتسبه من ذلك على كافة الصعد بما فيها النفوذ السياسي في إطار فلك السياسة الأمريكية والغربية.
ثانياً: امتلاكه للسلاح النووي كقوة ردعية كاسحة في المفاصل الوجودية الأشد خطورة.
ثالثاً: التقدم التكنولوجي والعلمي حتى في مجال التكنولوجيا العالية والتطوير الزراعي، والتصنيع العسكري في حدود معينة.
رابعاً: القوة العسكرية وفي المقدمة التفوق الجوي، والإمداد التسليحي الأكثر تقدماً من قبل الولايات المتحدة والترسانة البحرية الهامة، فقد تم التركيز على توفير عمق استراتيجي بحري من خلال الحصول على قطع بحرية أمريكية متطورة. والمانية حديثة وخاصة غواصات دولفين التي بإمكانها أن تحمل رؤوساً نووية، ويصنف ترتيب جيشه الحادي عشر بين جيوش العالم.
بينما يواجه هذا الكيان نقاط ضعف وجودية وأخرى جوهرية تتمثل فيما يلي:
أولاً: كونه في الأساس كيان مصنع له صفات إحلالية واحتلالية وعنصرية ليس بإمكانه الفكاك منها دون أن يغامر بمخاطر وجودية.
ثانياً: القاعدة الجغرافية المتاحة لا تتناسب مع مدى التفوق العسكري والاقتصادي.
ثالثاً: الحجم السكاني الصغير قياساً بالقوة او الطموحات التوسعية، ويضاعف الأزمة الديموغرافية لهذا الكيان حجم التواجد السكاني لأصحاب البلاد من العرب الفلسطينيين، حيث أن هذا الحجم على وشك التفوق في عموم فلسطين على حجم التواجد السكاني الاحتلالي، وهو ما تطلق عليه بعض أوساط الاحتلال وصف القنبلة الديموغرافية.
رابعاً: تقلص قوة الردع لديه إلى حد التلاشي بسبب توفر الترسانة الصاروخية للجوار والتي تشكل عامل ردع مضاد مع نقص قواه البشرية وضعفها وطبيعة حربه العدوانية الاحتلالية والعنصرية.
أخذ ينخفض مستوى ردعه العسكري في حروبه مع المقاومة الفلسطينية والقوات المشتركة الفلسطينية اللبنانية سواء في جنوب لبنان (اجتياح الليطاني) أو حصار بيروت، أو ما سبقها من اجتياحات متعددة، أدرك من خلالها أن مبدأ نقل المعركة إلى أرض الغير أصبح متعذراً عليه.
كذلك فإن تلك القدرة القتالية الباسلة التي أظهرها حزب الله عام 2006 وحتى عملية شبعا الأخيرة بدعم إيراني قد وفرت التحدي الأكبر لهيبة الردع لدى هذا الاحتلال، وذلك عدا عن مواجهته لأكثر من مرة في غزة عندما ظهر جلياً أن قوته في التدمير وقتل الأبرياء أكبر من قوته في الردع التي تهاوت أمام تقدم السلاح الصاروخي في المنطقة. ومثلما عدلت صواريخ أرض-أرض توازن الردع إلى حد ما مع قوة طيرانه، فقد تسببت الصواريخ المضادة للدبابات ومنها صواريخ كورنيت في تعذر تقدم الدبابات وهو ما يعزز ضعفه في الحرب البرية، إضافة لطبيعة قواه البشرية والروح المعنوية وتشتت التدريب القتالي.
يكاد يصل به الأمر إلى وهن كبير في قوة المبادرة أمام حزب الله وعمق تحالفاته، وقد أصبحت مستويات إداراته العملياتية تركز على توقي ضربات حزب الله، وخاصة فرص المباغتة والرد الرادع.
عموماً يتعذر على كيان الاحتلال توفير أمن استراتيجي طويل الأمد، ويمكنه أن يصمد أمام تغيرات مناخ المعادلات الدولية، وحتى ميزان القوى العربي بمثل هذه القاعدة الجغرافية أو السكانية المتاحة، وهو ما سيجعله عدوانياً وعنصرياً بشكل مستمر.
يستمد كيان الاحتلال دوره ونفوذه السياسي كقطب اقليمي من خلال دعم الولايات المتحدة له، وإذعان بعض الأنظمة العربية لها. وحالة إنعدام الوزن العربي الراهنة، والصراعات الذاتية في النطاقين العربي والإسلامي، والذي لا كيان الاحتلال ولا الولايات المتحدة الأمريكية بمنأى عن نشوئها وانشطاراتها وإدارة مهامها وتأثيراتها، وحتى تبديل صيغها أو تنوعها، وما تسمح به من نزاعات إجرامية تدميرية تتفشى لدفع الواقع العربي إلى الخلف وضرب الجيوش العربية وتقسيم الكيانات القطرية.
* تتمتع مصر بنقاط قوة أكثر رسوخاً وعمقاً مما تظهره المرحلة الراهنة وتتمثل بعض هذه النقاط فيما يلي:
أولاً: أنها أصلاً تملك مقومات دولة قوية عميقة الجذور والتأثير تاريخياً، وهو أمر أكثر قابلية من غيره للاستمرار مستقبلاً ومصيرياً.
ثانياً: أنها أكبر دولة عربية ولديها العمق السكاني الأكبر في الاقليم، وكذلك لديها عمق جغرافي وكلاهما مناسبان كأساس لدور مؤثر في الاقليم، وإضافة ألى ذلك فهي القلعة بالنسبة للأمة العربية، وتمتلك ثلاثة أبعاد عربية وإسلامية وافريقية.
إن لدى مصر دوماً أن تمد جذورها في أعماق أبعادها، ودورها الأقليمي وقيادتها الاقليمية مطلوبان قومياً تماماً كما هما مطلوبان وطنياً.
ثالثاً: لديها مقومات لاقتصاد يمكن أن يكون قوياً، وهي مقومات مستدامة ولا تعتمد على أي مخزون يمكن أن ينضب، إضافة لكونها مهيأة لأنواع التقدم العلمي والتكنولوجي وحتى النووي.
إن مصر لا تبدأ من الصفر بعد تاريخ لأكثر من خمسة آلاف عام،
رابعاً: لديها تماسك وطني مصيري، وجيش ما زال صلباً على الرغم من أنه مستهدف لإضعافه واستنزافه، وهذا الاستنزاف يشكل مصلحة استراتيجية لكيان الاحتلال ودول التحالف الغربي. ويصنف هذا الجيش الآن على أنه الجيش الثالث عشر بين جيوش العالم، والثالث اقليمياُ.
خامساً: موقعها الجيوسياسي والجيواستراتيجي بين القارات الثلاث وامام تحديات تستدعي قوتها في كل المراحل.
سادساً: لدى مصر قناة السويس ممراً مائياً عالمياً، ونهر النيل، ومخزون من الغاز في دلتا النيل يقدر أنه أكبر مخزون شرق المتوسط، إضافة إلى مقدرات أخرى كالنفط صغير الحجم في سيناء وتوفر عناصر التنوع في طبيعتها.
وعلى الرغم من كل ذلك فإن مصر تواجه قوى دفع عكسي من كل الاتجاهات، حيث أنها تعاني من بعض نقاط الضعف أهمها:
أولاً: الانكفاء على الدور الاقليمي والقومي لفترة طويلة بعد حكم الرئيس الراحل والزعيم القومي جمال عبد الناصر، وفي الواقع كان جمال عبد الناصر زعيماً عالمياً من خلال مكانته في حركة عدم الانحياز.
ثانياً: تأثيرات السياسة الغربية على واقعها الاقتصادي في تلك الحقبة، حيث تأخرت حركة البناء والنهوض التي شهدتها مراحل التعاون مع الاتحاد السوفياتي والتي برز فيها بناء السد العالي ومعامل الحديد والصلب وانتاج القطن المميز، وبناء الجيش وغيرها.
ثالثاً: انشغالها في معظم اتجاهات مجالها الحيوي، فلديها الآن المشاكل في سيناء، والآثار المحتملة على قناة السويس وتماسك الوطن، بل والآثار المحتملة الناجمة عما يجري في تخوم مضيق باب المندب والصراع الدائر في اليمن.
يعتبر مضيق باب المندب عمقاً حيوياً لقناة السويس تماماً كما تشكل منابع النيل عمقاً حيوياً لنهر النيل ومصر كلها.
لا تستطيع أن تبقى مصر بمعزل حيال أية سيطرة خارجية في مضيق باب المندب.
وكذلك لديها مشاكلها في منابع النيل سواء في القرن الافريقي أو على وجه الخصوص مع أثيوبيا، كما أن هناك مخاطر داهمة تطل عبر الحدود مع ليبيا.
كل ذلك يؤثر تأثيراً جوهرياً على استقرار واقتصاد مصر حتى لو أغفلنا مقدار التحديات الداخلية، ويؤثر أيضاً على مقدراتها لاستثمار الغاز أو النفط الذي تملكه في سيناء، وعلى الخط العربي للغاز الذي يمتد من العريش ويعبر الأردن باتجاه الشمال، وكذلك في بعض مواقعه في البحر الأبيض المتوسط.
رابعاً: قيود معاهدة كامب ديفيد عليها.
ما زالت مصر في طور التعافي بينما يجري تبلور القطبية الاقليمية وستحتاج مصر إلى بعض الوقت، خاصة وأن مشكلتها الداخلية والخارجية مع حركة الأخوان المسلمين وتفرعاتها ما زالت تؤثر على اتجاه مجهوداتها.
مصر مضطرة لموازنة توجهاتها في مجال تحالفاتها الدولية، حيث أنها دولياً ترتبط بخندق الاضطرار بينما مستقبلها يحتاج إلى الخندق الآخر وهو خندق التحالف الموضوعي.
وكما أن أمن المملكة العربية السعودية يحتاج إلى قوة واستقرار مصر فإن أمن مصر الاستراتيجي يحتاج إلى سوريا وقوة جيشها الذي يمثل الجيش الخامس إقليمياً.
لقد انكفأت فرص كل من سوريا والعراق نتيجة أحداث العقدين الماضيين، وكان من الممكن أن يكون لكل منهما فرصة، من البديهي أن هذا انكفاء عارض ولكنه مؤثر على الاقليم برمته.
يرتبط أمن مصر الاستراتيجي في مواجهة التحديات الأجنبية شرقاً بأمن وقوة سوريا والعراق. وفي كل مرة شهد التاريخ انكفاء الغزاة في فلسطين، فقد كان ذلك بفضل وحدة الجيشين الشامي والمصري، وأهم مثالان ما قام به صلاح الدين والظاهر بيبرس، وما حاوله محمد علي باشا وجمال عبد الناصر.
مصر اليوم تحتاج إلى جبهة مغاربية متناسقة معها لمواجهة المخاطر الآتية من ليبيا ومن الصحراء الكبرى.
من الضروري بذل المجهودات لتفعيل الاتحاد المغاربي لمواجهة المخاطر القومية والمخاطر المشتركة مع مصر، ويستلزم ذلك معالجة مشكلة مستعصية بين الجزائر والمغرب وهي مشكلة الصحراء الغربية.
تتعرض الجزائر والتي تملك سادس جيش إقليمي لفتح جبهات متعددة في الظروف الراهنة، حيث تم تصدير الأزمات من مالي عبر النيجر لكل من الجزائر وليبيا على وجه الخصوص. وكذلك لديها مشاكل مقاومة استخراج الغاز الصخري سواء في واحة غرداية أو سيدي صالح وتزامن ذلك مع ضرورات استقرار فرص الانتقال السلس للسلطة. هذه الجبهات تحتاج إلى تعاون مغاربي كي لا تصبح التناقضات مصدر تغذية للصراعات على اختلاف أنواعها.
يواجه المغرب العربي مخاطر الانشطار بسبب هذه التحديات المشتركة والتي يمكن أن يساعد فيها الاستخدام السلبي لتنوع الجذور من العربية إلى الأمازيغية والافريقية وحتى الطوارق.
من المؤكد أن كل نقاط الضعف والسلبيات لن تلغي مصر قطباً إقليمياً بإمكانه أن يصبح أهم هذه الأقطاب، ولكنها تشل تفعيلها لهذه الصفة مؤقتاً، ذلك لأن مصر لديها المقومات البنيوية لهذا الدور أكثر من غيرها.
* كانت المملكة العربية السعودية على وشك أن تكون قطباً اقليمياً هاماً من خلال صيغة التحالف الثلاثي السابقة: مصر وسوريا والسعودية. ولكن انفراط عقد هذا التحالف ترك لها دوراً خليجياً غير مطلق.
تتمتع المملكة العربية السعودية بمزايا هامة منها:
أولاً: مخزونها النفطي الأكبر في العالم.
ثانياً: الأماكن المقدسة: فيها الحرمان الشريفان والكعبة المشرفة.
ثالثاً: قواها العسكرية وخاصة في مجال الطيران ويصنف ترتيب جيشها الخامس والعشرين من بين جيوش العالم.
رابعاً: ما تملكه من قوة مالية تتمتع بالسيولة نسبياً بما يجلب النفوذ السياسي أو مظاهره.
خامساً: مكانتها ونفوذها في إطار المجموعة الخليجية، وما ينظر إليها عربياً على أنها دولة فاعلة ولا يمكن القفز على دورها.
أما نقاط الضعف لديها فإنها تتمثل فيما يلي:
أولاً: عدم استغلالها لفرص السيولة المالية في محاور استثمارية مستدامة، وبما يعوض آثار أي طارئ يمس قوة النفط لديها، وقد كان ولا زال أمامها الفرص لأن تجري مثل هذا الاستثمار داخلياً وعربياً.
ثانياً: تقلص نفوذها في النطاقين العربي والخليجي، إذ أن سلطنة عُمان توازن علاقاتها بين الجوار الإيراني والانتماء الخليجي والعربي وخروج قطر في فترة مؤثرة على السياسة الخليجية وتردد الكويت. والأهم ما يجري في اليمن وإلى حد كبير ما يجري في البحرين وربما المناطق الشرقية في المملكة.
ثالثاً: عدم توازن أو تنويع علاقاتها الدولية الاساسية بدرجة كافية، وربط سياساتها بالولايات المتحدة وما يؤثره ذلك عليها وما يمكن أن يؤثره مستقبلاً.
ليس خافياً أن الولايات المتحدة هي صاحبة المصلحة الأولى في خفض أسعار النفط في وقت من المتوقع أن تصبح المملكة في عام 2030 مستورداً للطاقة.
وأيضاً ليس خافياً الدور في العراق وسوريا، رغم أن هناك فرصاً لارتدادات سلبية جداً لهذا الدور.
شارك السيد أوباما في تشييع المرحوم الملك عبد الله، وقد بحث أثناء ذلك العديد من الأمور مع المسؤولين السعوديين وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين. ولدى التباحث في بعض القضايا طلب أوباما من محادثيه طلبين لافتين:
الأول: طلبه من المملكة العربية السعودية التأقلم مع احتمال واقع جديد ينطوي على اتفاق إيراني-أمريكي وبديهياً غربي، وهو ما يؤدي إلى رفع العقوبات عن إيران، واعداً السعودية أن تلتحق بهذا السياق في مرحلة مقبلة.
الثاني: التأكيد على دور الأخوان المسلمين في المنطقة وخاصة ضرورة الدفع باتجاه أن يكون لهم دور في مصر.
ربما لم تكن هناك حماسة سعودية للطلبين ولكنها اتخذت موقفاً أكثر جلاءً حيال موضوع الأخوان المسلمين.
تلتهب النيران من حول المملكة من جهة اليمن، وقد يشكل دخول مأرب من قبل الحوثيين نقطة فاصلة لما يعنيه بالنسبة لمضيق باب المندب، كذلك في البحرين، وفي مخاطر الارتدادات للقوى التي أنشأتها أصلاً الولايات المتحدة واعتقدت السعودية أن بإمكانها أن تستخدمها.
حصيلة كل ذلك أنه ومن خلال تبلور الأقطاب الجاري اليوم فإن كلاً من إيران وتركيا وكيان الاحتلال له حظوظ على مقاعد القطبية الاقليمية الراهنة، بينما يغرق العرب في مرحلة إنعدام وزن أو قدرة فعل.
تمتلك سوريا في الأًصل جيشاً بترتيب السادس والعشرين بين جيوش العالم وكان من الممكن لها أن تنافس على القطبية وخاصة أن بلاد الشام هي امتداد طبيعي لبعضها وأنها جميعاً أجزاء من سوريا الكبرى التي تشكلت دولها من خلال اتفاقية سايكس بيكو. ولكن سوريا اليوم محل تنازع، تتواجد فيها أذرع ثلاثة أقطاب هي تركيا وإيران وكيان الاحتلال وجميعها تتنازع على دور في سوريا بتناسق مع أبعاد دولية، والنتيجة أن سوريا مهددة في وحدتها وفي قوة جيشها وفي استقرارها ولا يلوح في الأفق حل قريب فيها.
في خضم كل ذلك تبقى فلسطين هي الجوهر الاستراتيجي والغطاء المعنوي لكل قطبية في الاقليم، ويبقى الدور تجاه فلسطين والقدس من أهم مداخل القطبية.
سيبقى التحدي الأعظم لأية قوة عربية تخترق مديات التشكل المفروضة، ولأي مدى يضمن امناً استراتيجياً مستقراً هو تحدي مخاطر الاحتلال في فلسطين وجذور سياسته التوسعية والعنصرية.
ينعكس كل ذلك على الواقع الفلسطيني، والمسألة مسألة وقت، حيث تجد القيادة الفلسطينية نفسها أيضاً بين خندقين:
الأول: خندق الاضطرار لديكتاتورية الجغرافيا وسطوة الاحتلال، وضرورات الدعم، وهو خندق يتحرك في فلك الولايات المتحدة، ويأخذ فيه كيان الاحتلال دوراً مقرراً.
الثاني: هو خندق المكان الموضوعي والاستراتيجي والطبيعي لفلسطين، ما من شك أن ضعف الحالة الفلسطينية وقوة اغلالها هو عائق كبير أمام اختيارها الحر أو التمكن من القفز عن خندق الاضطرار.
سيكون الواقع الفلسطيني خلال الفترة المقبلة أمام خيارات صعبة ومرة، وربما يصبح في رأس الأولويات هدف البقاء في أرض الوطن والصمود فوق ترابه أمام مناخات طاردة شديدة القسوة.
يمثل كيان الاحتلال في فلسطين أكبر بؤرة للشر والتمييز العنصري في العالم، وهو آخر قلاع الاحتلال. ويبدو في هذه اللحظة أن الخيارات مرة في كل الاتجاهات مهما كانت نتائج الانتخابات لديه.
حيال كل ذلك إذا أردنا عربياً وفلسطينياً تغيير الواقع فإن ما يجب أن يتم عربياً هو وقف نزيف التدمير الذاتي، ومراجعة المواقف والخلافات والتحرر من اتجاهات سياسة الولايات المتحدة بدفع من الاحتلال والمصالح الاستعمارية، وتحقيق الوحدة في وجه كل عناصر التدمير الذاتي بدون تمييز وهي التي تجري بتدبير أمريكي صهيوني، وتتمتع بدعمهما.
وكذلك مراجعة أخطاء الماضي والفجوة بين الأنظمة والشعوب، وعوامل القوة المجتمعية.
الوحدة والتماسك وإنهاء الخلافات أمر في غاية الأهمية على الرغم من ضآلة التفاؤل من القدرة على تحقيق ذلك أو الانعتاق من سطوة التحكم الأمريكي.
وكذلك فلسطينياً، من الواجب تغيير الواقع بالتوقف عن مسارات مسدودة ومجربة حتى الرمق الأخير، ووضع استراتيجية للبقاء والحفاظ على الذات وعدم ترك الاحتلال ينام على حرير احتلاله، وإعادة النظر في أوراق العلاقات.
وإذا كان تغيير الواقع إلى هذه الدرجة يعني الثورة حتى على الذات، فإن الثورة تحتاج إلى كثير من الحلم، وكثير من العقل، وكثير من الشجاعة. وقليل من الجنون، الذي يتضمن المجازفة والغضب.


العالم ليس أمريكا

الف السيد زيبيغوني بيرجنسكي احد مستشاري الامن القومي السابقين في الولايات المتحدة كتابه على رقعه الشطرنج الكبرى في الثمانينات من القرن الماضي، وبقدر ما كان الكتاب محترفاً ضمن قوانين الجيو استراتيجيا فقد عبّر عن التطلعات الامريكية للهيمنة المطلقة على العالم والوصول الى احادية القطبية الدائمة واعتبارها للقوى المؤهلة للعب دور عالمي قوى منازعة وتستحق مقاومة سياستها وبرامجها الخاصة بها لتطوير قواتها وتنمية ذاتها والحفاظ على مجالها الحيوي.
اعتبر السيد بيرجنيسكي أن هناك خمسة قوى لديها مقومات بمقدار ما لهذا الدور، وهي : روسيا، واوروبا المتحدة، والصين، واليابان. وقد عبر بشكل مباشر وغير مباشرعن ضرورةمعالجة فرص كل منها مستعرضاً بدقة متناهية نقاط القوة ونقاط الضعف أمام فرصة كل طرف منها.
وقد تمكنت الولايات المتحدة من فكفكة عرى المحاولات الواعدة لمتحد اوروبي محوره: باريس – برلين، عندما نأت، برطانيا بنفسها وبقيت في فلك التوجهات الأمريكية من الأصل، وعندما تمكنت الولايات المتحدة من استقطاب دول اوروبية هامة من الصف الثاني اضافة للدول المستقطبة اصلاً من شرق اوروبا، ونجحت في الدعم الخفي لتغيرات داخلية في كل من فرنسا والمانيا، وقد سقط الحلم الديغولي.
وكانت أعباء الهند أكبر من قدرتها على التحليق، والقاعده الجغرافيه والبشرية والجيو سياسية لليابان وحتى العسكرية اضعف من حجم النهوض في هذا المستوى. وتم تحييد قوة روسيا في الإطار الدولي. كما تم التعامل بحذر شديد مع التقدم الصيني الكاسح في مقابل حذر الصين من خطوط التماس الحيوية للولايات المتحدة.
لم يكن ذلك قدر العالم فقد تدخل عاملان أساسيان: الأول وهو الأزمات ،سواء لاقتصاد السوق بقيادة الولايات المتحدة، أو في إطار التورط في مستنقعات أمن عالمية.
والثاني وهو نجاح محاولات التقدم وعدم التخلي عن المكانة العالمية في الصين وروسيا، وخاصةً بعد التحدي الأخير من قبل السيد بوتين في موضوع سوريا، وأتباعه نهج استخدام أوراق القوة في الإطار العالمي مدفوعاً بتحديات من أهمها نصب شبكة الصواريخ شرق ووسط اوروبا وتركيا، وإيغال الولايات المتحدة في العمل لانكفاء روسيا حتى الدفع لانكفاء نهائي في البحر الابيض المتوسط عن طريق التغيير في سوريا بهيمنه غربية، عدا العبث فيما يمكن أن يسمى الحديقة الخلفية للبيت الروسي ضمن مجال روسيا الحيوي.
تمكن السيد بوتين أن يتجاوز نزعة صديقه ورئيس وزرائه السيد ميدفيدف في الإبقاء على الاتجاه الرئيس نحو الاقتصاد والتنمية الذاتية، معتبراً أي السيد بوتين أن ذلك لا يتم بمعزل عن الدور العالمي، وعن الخروج عن إطار حدود روسيا، وقد ساعده في ذلك نقاط القوة لدى روسيا ونظامه وقدراته الشخصية، وكذلك نقاط القوة لدى ايران ومتانة تحالفها في سوريا، وقد أصبح لإيران نقاط قوة اساسية دفعت الولايات المتحدة الى مساومتها من تحت الطاولة عبر دوله عُمان. لقد أثبت إختراق السيد بوتين لنزعة الاتجاه نحو الاقتصاد أولاً جدواه، واعاد كثيراً من الهيبة لروسيا، ومهد لمشاركة روسية وصلت حد اتفاق مع الولايات المتحدة أغضب الكثيرين من حلفائها، وجعل الكثيرين منهم يجدون أنفسسهم أمام ضرورة تقييم سياساتهم وأوراق قوتهم ونقاط ضعفهم، ومنهم بعض الدول العربية الأساسيه.
كذلك لم يتم التمكن من احتواء المد الصيني وراحت الصين تطور قدراتها العسكرية بعد أن اصبح لديها قوه اقتصادية جبارة،حتى في نطاق القوات البحرية والدخول في نادي امتلاك حاملات الطائرات المتقدمة.
أصبح العالم على شفير سباق تسلح جديد كان من أهم عوامله إستفزاز الغرب لروسيا في نصب الصواريخ التي ادعت الولايات المتحدة سابقا أنها لمواجهة الخطر الايراني، واستمرار ذلك حتى بعد الاتفاق مع ايران، ومحاولات العبث في اوكرانيا، وتصنيع الصواريخ عالمية التدمير برؤوس غير نوويه ولكنها فعاله ومتطوره وتنطلق من البحر والجو والبر الى أي مكان في العالم وبكثافة مؤثرة.
إذن ليس هناك فرصة سوى أن تستعيد الحرب الباردة بعض ملامحها.
وإضافة الى التناغم الروسي الصيني نشأت منظومة دول الإبسا بين الهند وجنوب افريقيا والبرازيل، وهي دول تتمتع بدرجة من الإستقلال كافيه لظهور حركة دولية جديدة أكثر تناغماً مع التوجه الروسي الصيني اذا جاز التعبير، ويمكن أن تكون نواه تشبه ما نشأ في بداية النصف الثاني من القرن الماضي وهو حركة الحياد الإيجابي وعدم الانحياز بزعامة مصر والهند ويوغوسلافيا وأندونيسيا.
وضع الوفاق الأمريكي الروسي في الشرق الأوسط ملامح جديدة من اللاعبين الاقليميين في طور التكوين، ومن اهم نقاط ضعف هذه الخارطة قلق فرص الدور العربي في أجواء انعدام الوزن العربي ضمن ظروف ما سمي بالربيع العربي، ونجاح نسبي لسياسات التدمير الذاتي تجاه العرب، واخفاق سياسات بعض الدول العربية الأساسية.
يبرز هنا سؤالان: سؤال اقليمي وآخر فلسطيني.على المستوى الإقليمي هل تستطيع دول المنطقة العربية والاسلامية أن تشق الطريق نحو كتلة إقليميه متناغمة ولديها تقاطعات الحد الأدنى المشترك على الأقل.
لا شك أن هناك نزاعات مانعه، وأن كثيراًمن التراكمات تشكل سداً لا يستهان به، وأن كون ملامح الشرق الاوسط الجديدة مازالت في إطار التكوين وهو أحد عوائق الإستقرار الداخلي والإقليمي، وسياسات الخضوع لأجندات قوى الاستعمار المتوفرة في كثير من المواقع، كل ذلك يعقد التفاهم الاقليمي العربي الإسلامي لتشكيل كتلة توفر وزناً خاصاً متكاتفاً للإقليم .
من الممكن أن يبرز سؤال حالم : هل يمكن أن تتداعى كل من مصر وايران وتركيا والسعودية وسوريا والعراق الى لقاء سداسي يمهد لبداية طريق واعد.
طبعاً بين السعودية وايران ما صنع الحداد، وكذلك مع سوريا، وبين مصر وتركيا ما صنع الحداد، وبين معظمهم من الجراح ما يتسع على جسر الهوه.
لكن جمال عبد الناصر سبق وصنع ذلك عربياً، كذلك فإن مصالح استراتيجيه وبعيدة المدى وما فوق القطريه تستدعي دمل الجراح .
هذا اللقاء يمكن أن يمهد لاتساع الدائرة شيئاً فشيئاً لتضم أكبر عدد ممكن من الدول العربية والاسلامية، حيث بعض دول المغرب العربي مثل الجزائر والمغرب، ودول من اسيا مثل الباكستان وأندونسيا وماليزيا، ثم يلي ذلك قطعاً صيغه عربية اسلامية شامله تجسد مصالح الاقليم .
ذلك ما يجب أن يبدأ برسم ملامح استراتيجية مشتركة تتعمق شيئاً فشيئاً .
هل تستطيع هذه الدول أن تقفز فوق الحواجز بينها وفوق الحاجزالأكبر وهو الهيمنه العالميه .
هناك فرصة تلوح وهامش يتبلور من خلال قفز روسيا فوق احادية القطبية.
وهناك فرصة أمام مصر، من المنطقي أن نتوقع من مصر أن تفكر أولاً بسرعة الاستقرار والامن وانجاز خطتها وترميم اقتصادها. وثانياً : بالنطاق الحيوي المباشر المحيط بها سواء في سيناء وغزة، أو في السودان أو في ليبيا،
ولكن من المنطقي ايضاً أن تعمل في عدة اتجاهات في آن واحد لأن التشكل قائم، وعليها أن تكون ركناً أساسياً من أركانه .
أما على المستوى الفلسطيني فإن الولايات المتحدة ومن خلال ثقلها في حراك سياسي لا يلوح منه أي طائل أو جدوى تحقق عدة أمور : الأول الاستفراد دولياً بهذا الحراك وكأن العالم هو أمريكا، متجاوزه دور الرباعيه بما فيها روسيا الناهضه.
الثاني : من خلال منهجها لإيجاد حل وسط للحل الوسط السابق في دوامة مستمره تخفض من خلالها السقف الفلسطيني من جهه وتفرض ما تصل اليه أو تطرحه من سقوف مرجعية بديلة للشرعية الدولية أو للرباعية أو غيرها، متعاميه عن كل الحقوق الوطنية الفلسطينة الأصلية والطبيعية .
الثالث : كسب الوقت لأهدافها الاقليمية ومنح الوقت كذلك لتغييرات الامر الواقع التي يفرضها الاحتلال، وتأجيل توجه الطرف الفلسطيني الى المؤسسات الدولية الى حد فقدانه لأرضيته على مدى الزمن والمتغيرات .
من المؤكد أنه في مثل هذا الواقع العربي وانعدام الظهير العربي والقاعده الارتكازيه، وكذلك الوضع الذاتي المشوب بكل ما فيه من نقاط ضعف، والاستفراد الامريكي، فإن فرص الوضع الفلسطيني صعبة وهوامشه ضيقه الى درجة تجعل من غير المجدي دفع أي ثمن لهذه الهوامش، وضرورة الخروج على المألوف والمكرر فيها.
من المهم توقي الاستفراد الامريكي، وتفادي اسقاط الدور الدولي وخاصةً العالمي من خلال الامم المتحدة، او القوى الدوليه من خلال روسيا والصين، وقوى المساندة الدوليه التي أظهرت ثبات مواقفها في مفاصل ومحكات عديده وحساسه .
مع الانتباه أن دور اوروبا تفرضه في الاساس قوه اوروبا، ودور روسيا تفرضه اولاً قوه روسيا قبل أن يفرضه الموقف الفلسطيني المستفرد به. ومع ذلك فإن لهذا الموقف محددات يجب أن يجيد العمل بموجبها .
ان هذا التوقي يشكل حاضنة حتى لاهداف الخندق الاخير وهي البقاء والصمود في الوطن وعدم الهجرة والحفاظ على الذات وبناء الانسان والحفاظ على منظمة التحرير الفلسطينية لتبقى الخيارات قائمه وفقاً للظروف ومتغيراتها والمراحل وموازين قواها .
يبدو السؤالان الاقليمي والفلسطني في نطاق اللامنطق من خلال الحسابات الظاهره لموازين القوى القائمة، ولكن بالتأكيد هناك حسابان أساسيان : أولهما موازين القوى الكامنة، وثانيهما الصيروره والتغيير .
وإذا كان كل ذلك في نطاق اللامنطق فلقد اتبعنا المنهج الثوري كل العقود الماضية وهو منهج يتطلب كثيراً من الحلم بما فيه من لمحة اللامعقول مع كثير من العقل والاراده.
في مثل هذه المفاصل لابد للقيادات أن تتخندق في حصون شعوبها وشبيبتها وأجيالها الواعدة، ولكل ذلك استحقاقاته في كسب ثقة الناس باتجاه مواجهة التحديات الخارجيه وكسب ثقتهم في إدارة نظام حياتهم بالمشاركه والمساواه والعداله وتكافؤ الفرص .
يقف الوضع الفلسطيني على مفصل خطير جداً وكذلك الوضع العربي والاسلامي في حدود اقليمه من جنوب شرق آسيا الى شواطئ الاطلسي ولا يجب لطرف في هذا الاقليم ان تخدعه بعض لحظات القوه التي حتماً ستكون عابره بدون تكامل الاقليم .
من الملاحظ أن الأركان الأقليمية في منطقة الشرق الاوسط لا يوجد فيها اي طرف عربي وحتى في صيغة كتله متماسكه من عدة اقطار، وان الاصطفافات الدولية الكبرى لا يوجد فيها اي طرف عربي او اسلامي سواء تحالف الشرق او تحالف الغرب او حتى دول الإبسا الأقرب لمدى هوامش هذا الاقليم وضروراته، وحتى ايران لا مكان لها كركن في هذه الاصطفافات على الرغم من ان بيدها فرصه بحكم إمساكها لأمريكا من اليد المؤلمة وهي ضرورات ايجاد مخرج من التورط في افغانستان والمسانده الروسيه وخاصه في اطار التخندق معاً في جبهة سوريا .
لقد فتح القبول الدولي للنووي السلمي في ايران الطريق لان تدخل هذا النادي كل من السعودية ومصر وعليها ان لا تتردد ولو للحظة للحاق بمرحلة عالمية مازال العرب خارجها، وهي مرحله يمكن ان تكون مدخلاً لقوه الردع المتبادل في الشرق الاوسط وهذا مصدر دور واستقرار او نزع اسلحة الدمار الشامل من الشرق الاوسط.


القدس وأطواق الحصار ..

تمكن الإحتلال من الاستفراد بالقدس في إطار
ًاجتياح مستمر صاخب أحيانا وهادئ في أغلب
ً الأحيان ولكنه اتبع خطا ً متواصلا منذ ما قبل عام
1967 
وحتى الآن، وهو بذلك يفرض احتلاله
وسطوته على المدينة بشكل مركز أكثر من كل
ما عداها وقد وضعتها براثن الاحتلال والظروف
الإقليمية والدولية المحيطة حبيسة أطواق من
الحصار ومنها:ً هذا الإحتلال
ً أولا: حصار ما يعيث بها فسادا
ً وتنكيلا ً مبرمجا استهدف المكان والـزمـان
والإنــســان، وبــدون التفاصيل فهو الآن يبلغ
ذروتـه بالانتشار الاستيطاني الواسع وتنكيل
جيشه وقواته، وما بلغت إليه الأمور من اجراءات
استهداف المسجد الأقصى المبارك وقبة الصخرة
سواء بالعمل على فرض أمر واقع للتقسيم المكاني والزماني للحرم الشريف وتقنين ذلك أو
ً، وكذلك تسعير الهجمة للاستيلاء على
بما يحمله هذا التقسيم من نذر مستقبلية أكثر سوادا
العقارات وخاصة في منطقة سلوان بكل الوسائل الممكنة بين يديه والتكشير عن أنيابه أكثر
من أية فترة سابقة في هذا المجال.ً ثانيا: حصار نتيجة العزل والحد من فرصة المساندة الوطنية وخاصة في ظروف يتم فيها كذلك
حصار الحالة الفلسطينية بأسرها، والغل من معظم يدها للقيام بالدور الواجب، وما من شك
ً أن الدور الوطني بإمكانه أن يفعل أكثر ولكنه لا يستطيع أن يكون حاسما في تحقيق المدى
المطلوب سواء بسبب يده المغلولة أو بسبب كثير من الثغرات من الأولى معالجتها في كل
الظروف. وفي مقدمتها الانقسام الوطني الذي استثمره الإحتلال في القدس أول ما استثمره،
يجب أن تأخذ القدس أولوياتها في كل برامج ومهام العمل الوطني
ً ثالثا: حصار نتيجة انعدام الوزن العربي والإسلامي وحتى المسيحي في هذه المرحلة لوقف
العبث والتنكيل الجاري.ً رابعا: موقف دولي ما بين انعدام الوزن والسلوك ضمن خطوط حمراء تجعل إغاثة القدس غير
ً مجدية، والسلوك العدائي السافر المساند للعدوان والاحتلال أحيانا ً بقليل من الرياء وأحيانا
بدون أي حياء.لقد انعكست أطواق الحصار هذه على القدس بجعل يد الاحتلال طليقة للتهويد والاستيطان
ً واستباحة المقدسات الإسلامية والمسيحية وخلق مناخات طاردة للمقدسيين أمنيا ً واقتصاديا
ً واجتماعيا ً وحتى بالقوانين الاحتلالية التي وضعت خصيصا لاستكمال المشروع الصهيوني
وسلب كل الحقوق الوطنية الفلسطينية. وحتى بلوغ هذا المشروع درجاته من تمدد النفوذ
ً إقليميا ضمن تغلغل تدريجي ومدروس في الإقليم.إن ما يجري في سوريا في إطار تكامل ما بين الاحتلال وتركيا لتقاسم النفوذ في سوريا بينهما
وحتى إيجاد مناطق عازلة في الشمال وفي الجنوب من شأنها أن تكون نواة تقسيم مستقبلي
هو جزء من هذا التمرد. وكذلك العمل الجاد لاستقلال كردستان عن العراق، بل وما يتم في
ً مجمل الساحة السورية والعراقية والعربية عموما.لا بد لمصر أن تتمكن من مواجهة محرك عدم الاستقرار، والبناء الاقتصادي، وتأمين المجال
الحيوي لتتمكن من أداء دور طبيعي لها بصفتها الحلقة العربية الأساسية. وهي بذلك في فترة
تأمين ذاتها، وكذلك دول الخليج فإن بذور المخاطر تحيق بها من كل الجوانب.هذا كله واقع يجب أن يتغير وهناك بدايات ضوء مهمة فقد أصبح كيان الإحتلال يسير في دائرة
العزلة في الرأي العام العالمي وبدأ يسقط عنه الغطاء المعنوي الذي كان سياجا له، بل وبدأ
يبرز أكثر وجهه البشع وحقيقة نواياه.وكذلك في النطاق الفلسطيني حيث تتم مواجهة لحظة الحقيقة بانسداد آفاق الطريق
السياسي لأن الإحتلال من الأساس لا يريد لهذا الطريق أن يؤدي إلى أيه نتيجة بل أن برامجه
ً كانت دوما تتجاوز كل مخاتلاته وخداعه ومناوراته.لقد اصطدم الواقع الفلسطيني بالحقيقة وهذا أمر هام لعودة الروح واليقظة وتلمس طريق
جديد أوله الكفاح من أجل البقاء، بقاء الإنسان الفلسطيني في وطنه وصموده أمام كل
محاولات التخريب النوعي للإنسان وتطويقه بالمناخات الطاردة.وفي النطاق العربي فقد بدأت عودة الروح في مصر في ظروف من الآمال والطموح لدى
ً المواطن العربي أن تأخذ مصر دورها الإقليمي لتكون القطب العربي المؤثر إقليميا وتسترد
مكانها كركن أساسي في الدفاع عن القضايا القومية ومواجهة تحدياتها وفي المقدمة جبهة
فلسطين بكل ما تعنيه حتى في ابعاد الأمن القومي العربي، والأمن القومي لدى مصر
الشقيقة.أما في النطاق الدولي فقد بدأت روح التمرد لدى روسيا على الإنسياق لأحادية القطبية،
وأظهرت روحا من التحدي والتصميم على استرداد دورها، وتشكلت نواة واعدة من مجموعة
دول البريكس المكونة من روسيا والصين والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا والتي من الممكن
أن تتوسع وتتعمق ويتعزز تماسكها.كل ذلك آفاق واعدة إلى جانب صحوه جزء مهم من الرأي العام العالمي والفرص التي أصبحت
متاحة أكثر من ذي قبل في التوجه إلى المنظمات الدولية والقضاء الدولي. لكن الحقيقة أن
القدس لا تنتظر الزمان لكل ذلك، وهي تحتاج إلى كل أنواع التدخل والإسعاف السريع.يتحمل المواطن المقدسي بصمود وإصرار وبروح من التحدي كل أوزار أطواق الحصار، وهو
متشبث بأرضه ووطنه ووجوده، وستبقى القدس هي عنوان ورمز كرامة الأمة ونهوضها، أو
تحكم الإستعمار بها، ومن واجب الأمة أن تختار كرامتها وعزتها ودربها للحرية والقوة.


خارطة الغاز وأمن المنطقة


لقد كانت خارطة النفط أحد العوامل الأساسية في رسم الخارطتين الجيوسياسية و الجيواستراتيجية منذ بداية القرن الماضي وخاصة: في المنطقة التي عرفت باسم الشرق الأوسط . ثمة عوامل أخرى وخاصة ما بعد الحربين العالميتين كل بآثارها، ولكن النفط كان عاملاً أساسياً حتى في وجود بعض الدول اليوم أو في رسم الحدود.
أخذ دور نوع من أنواع الطاقة، وهو الغاز في التنامي المتسارع منذ أواخر القرن الماضي، وأخذ مع اطراد نسبة تناميه في أطراد نسبة تأثيراته الجيواستراتيجية والصراع على المصالح المرتبطة به بدرجة من الدرجات في العالم، وخاصة لدرجة كلفته وتأثيراته البيئية التي تعد أكثر إيجابية من النفط.تتشكل خارطة الغاز حسب مكانه وكميته وتطور الاعتماد عليه في العالم وخطوط امداده.
بالنسبة للمكان والكمية تتمتع روسيا بالموقع الأول، حيث يتواجد لديها أكثر من 44 ترليون طن من المخزون، وتليها إيران، ثم قطر، ثم أذربيجان، إذن يتشكل المخزون للغاز في محيط وسط آسيا وبحر قزوين امتداداً إلى قطر، وقد أشارت الآليات العلمية إلى وجود أقل أهمية في شرق المتوسط ومصر، حيث تمتد بعض الحقول في دلتا مصر. وكذلك في شرق المتوسط قبالة غزة وفلسطين المحتلة ولبنان وصولاً إلى تخوم قبرص المائية، وكذلك في الشاطئ السوري، حيث يتواجد أهم حقل غاز في شرق المتوسط وهو حقل (قارة) من ناحية أخرى فقد تم اكتشاف مخزون للغاز الصخري وخاصة في الولايات المتحدة، وهو أقل تأثيراً من ناحية الكمية والاحتياجات المحلية له، وكلفة إمداده وإيصاله.
من الجانب الآخر فإن الإعتماد الأكبر على استيراد الغاز يتركز في كل من أوروبا والصين، حيث أن اعتمادها عليه وعلى النفط ما زال في طور التنامي، وخاصةً أيضاً أن الصين أصبحت من أقوى اقتصاديات العالم .
لقد أدت خارطة أماكن الغاز وخارطة مواقع الاحتياج اليه إلى بروز عامل ثالث مؤثر وهو طرق إمداده ووصوله، ولعل من أهم وأفضل طرق الإمداد إلى أوروبا التي ما زالت المستورد الأول للغاز، هي خطوط أنابيب الغاز من روسيا وأذربيجان وإيران للوصول إلى أماكن استهلاكه لدى المستورد الأول له.
من الطبيعي أن أقرب وأقصر هذه الخطوط هو ما يتم امداده من روسيا، وفعلاً كان الخط المباشر عبر أوكرانيا هو خط أساسي، ولكن رغبة كل من الولايات المتحدة وأوروبا بعدم اعتماد أوروبا على الغاز الروسي الذي تتعاظم أثاره في تأثير روسيا على أوروبا وفي نمو قوى روسيا، أديتا إلى التطلع من جانبهما لتنويع مصادر الإمداد، وبالتالي تغيير خطوطه مع الأخذ بعين الاعتبار مدى الكلفة والأمن في وصوله، من هنا نشأت فكرة خط سمي خط (نابكو) من أذربيجان إلى أوروبا، وقد اقامت روسيا خطاً هاماً يصل إلى المانيا عبر بحر الشمال، وهو خط السيل الشمالي، وشرعت في إقامة خط السيل الجنوبي وكانت النتيجة تعطيل مواصلة العمل في خط نابكو وفي السيل الجنوبي.نتج عن هذه الخارطة وإعادة رسمها ورسم خطوط إمدادها صراعات أدت إلى الأزمة الأوكرانية، وخاصة مع اجراءات التموقع لصواريخ حلف النيتو في وسط أوروبا. وبرز الدور التركي كعامل جنوبي للتنافس على مرور خطوط الإمداد، وخاصة من أذربيجان.
وفي الجانب الآخر كانت هناك محاولة لمد خط للأنابيب من قطر إلى سوريا وتركيا، وكانت سوريا ومنطقة حمص هي عقدة هامة في خطوط الإمداد هذه.وقد تم اجتماع ضم كلاً من أمير قطر السابق والرئيس التركي أردوغان ورئيس وزراء فرنسا في دمشق، ولكن النتيجة كانت سلبية من الجانب السوري لوجود مصالح دولية وبدائل أكثر أهمية.
ولعل من هذه البدائل الخط الإيراني الذي يمر عبر العراق إلى سوريا، والذي لجأت إليه سوريا. تماماً كما ارتبطت بمصالح سياسية واقتصادية وجيواستراتيجية مع كل من إيران وروسيا، حيث لروسيا موقعها الجيواستراتيجي في المتوسط وسوريا، وحيث تتولى شركة روسية العمل في حقل الغاز السوري (قارة)، أدى الموقف السوري إلى إثارة حفيظه كلاً من أردوغان، الذي كان يتطلع أصلاً إلى نفوذ تركي في سوريا وحفيظة فرنسا وقطر ومعهم الولايات المتحدة، والتي كانت تتطلع أصلاً إلى نظام شرق أوسط جديد والفوضى الخلاقة وأمن وقوة وتفوق كيان الاحتلال من خلال تغلغل نفوذه وتفتيت الدول المحيطة، وكذلك دفع العناصر الضاغطة لكيان الاحتلال وبرامجه التي تتضمن برامج إضعاف بعض الجيوش نتج عن كل ذلك دور مباشر لتركيا وحلفاء الولايات المتحدة في أزمة سوريا، وكذلك أخذ دور كيان الاحتلال يبرز بشكل تسلسلي وتدريجي. وكان من الطبيعي أن تتم المواجهة مع الامتداد الروسي الإيراني ومن في فلكهما في خضم تباين المواقف.
ما من شك أن عوامل أخرى لعبت دوراً وأن من هذه العوامل ما هو مباشر، وتطورت مجريات الأمور في سوريا على هذا الأساس. لكن تداعيات الميدان والموقفين الروسي والإيراني كانا أكثر صلابة واستعداداً للمواجهة، وهو ما جعل الأزمة في سوريا تتأرجح ضمن سقوف أقل من توقعات التحالف الاستعماري الذي حاول فرض إرادته على سوريا.
في هذه الأجواء تتم أحداث سوريا، والأحداث المحيطة بها، والتي تتطلب أن يدرك الجميع أن سقوط سوريا هو سقوط للأمة وأن الدم العربي هو دم واحد سواء في القنيطرة أو القدس أو غزة أو مصر، التي تتعرض لإستهداف خاص له عوامله الأكثر بعداً. أمن مصر الاستراتيجي وسوريا هو أمن لكل منهما وللمنطقة ولصالح الأمتين العربية والإسلامية.





خطط الاحتلال


يواصل الاحتلال خطة استنزاف الزمن في إطار متغيرات إقليمية ودولية ومتغيرات في واقع الأرض داخل فلسطين، وهو يستهدف تنفيذ رؤيا لم يتزحزح عنها طيلة أربعة عقود تقريباً، وهي خطة الحكم الذاتي المحدود في الضفة وغير المحدود مؤقتاً في القطاع.ينطلق الاحتلال من بعض المسلمات لديه أنه لا سيادة غير سيادته بين النهر والبحر.لم يكن الأمر جديداً، فقد برز ذلك منذ لقاءات بيغن السادات واتفاقهما. ولكن مخاتلة الاحتلال فيه بقيت بين مد وجذب في نطاق انضاج الميدان بكل أبعاده.يجد الاحتلال اليوم الفرصة مناسبة في ظل التنازع العربي الاقليمي والتدمير الذي يقع، والانقسام الذي يتمدد في المنطقة، ويستشعر بنضج الظروف من خلال اتساع نطاق اتصالاته مع عدد كبير من الأنظمة العربية في السر أو العلن بل وبلوغ الأمر إلى حد مشاركته في تحالفات الاقليم ضد بعضه.ولعله أيضاً يرى فرصاً لوضع دولي مساند يبدأ من الولايات المتحدة الأمريكية.تقتضي خطة الاحتلال فصل الضفة عن القطاع فصلاً كاملاً، وربما قبول صيغة فيدرالية أو كونفدرالية بينهما يحكم فيه الأمر الواقع قطاع غزة بينما تتولى الجهات المسؤولة في الضفة مهمة تمثيل الشعب الفلسطيني، وهو ما يمكن ترجمته بوضوح حكم ذاتي في غزة يتم الوصول إليه من خلال اتفاقات مع سلطة القرار فيه التي تتولى الحكم والأمن ثم فتح المعابر والاتفاق على الميناء ومحطات الاتجاه في كل من قبرص وتركيا وبعض المشاريع الأخرى، ومنها مشروع قطري بالاتفاق مع شركات لديه لكل من الطاقة الشمسية والغاز ويكون أحد نتائجه تزويد القطاع بهما.لقد قطع الاحتلال شوطاً في هذا المجال سواء من خلال الاتصال المباشر أو غير المباشر، وهو الآن معني بصيغة رباعية أو ثلاثية لكيفية التعاطي مع القطاع بمشاركة من بعض دول الطوق، وفي حالة موافقة السلطة الفلسطينية يكون لها صلة بالأمر كذلك.وإذا تعذرت الصيغة يتم الذهاب إلى صيغة أحادية الجانب لو كانت بالاتفاق سراً وعلناً.لم يعد الاحتلال يرى مخاطر من القطاع تستدعي اللجوء إلى عمل عسكري كبير أو حرب ضد غزة، ولم يعد ينتظر أي جسر لعلاقاته مع الكثير من الدول العربية، وقد خضع الشعب الفلسطيني لحصار وتضييق خناق يعتقد الاحتلال أنه قادر على التأثير على عزيمة وتصميم الشعب الفلسطيني من خلاله، وهو درس لم يتعلمه الاحتلال، فمنذ أكثر من مائة عام والزمان يشهد أن إرادة الشعب الفلسطيني للحرية والكرامة والسيادة لم تتزعزع.كذلك يراهن الاحتلال على اصطدام الولايات المتحدة بحقيقة تعذر حل الدولتين الذي قو ض كل أركانه.وفي نطاق هذه المعطيات تترسخ خطته بحل يقوم على حكم إداري محدود في الضفة ينطوي على التمييز العنصري ولا يعترف بصفة المواطنين الفلسطينية بأكثر من صيغة سكان لا تتوفر لهم فرص المواطنة وحقوقها، ولا فرص المساواة، حيث أن العامل الديموغرافي هو هاجس حساباته الأساسي.وعلى أساس هذا الهاجس فإن مخططاته تقوم على الطرد السكاني بواسطة المناخات الطاردة والتمييز العنصري وعدم إعطاء صفة المواطنة.من جانب الاحتلال انتهى حل الدولتين وهو يسعى لمزيد من الانضاج الدولي.ومن جانب الشعب الفلسطيني يتم تركيز نقاط القوة بغض النظر عن مداها من أجل الحفاظ على الذات وعدم اراحة الاحتلال وحق السيادة وما يتبعه من حقوق أخرى.يحتاج ذلك إلى وضوح استراتيجية وتركيز إرادة واستخدام نقاط القوة الممكنة والامكانيات المتاحة بحده الأقصى، وكذلك فإنه يحتاج إلى وحدة الشعب الفلسطيني وتماسكه تماسكاً كاملاً وقطع الطريق على الاحتلال وامتداداته للنفاذ من الثغرات.لا بد من تفاهم وطني على المصير، لأن انعدام ذلك قد يؤثر في أي طرف بأن يعيش على وهم حصاد المرحلة بينما يستمر الاحتلال في تقليب الزمن والمراحل إلى أن يبتلع الجميع.تظهر إجراءات الاحتلال على الأرض أنه على وشك الفروغ من تنفيذ بعض الخطوات وخاصة في القدس وفي الضفة الغربية، حيث يزداد الاستيطان والمستوطنون وعمليات الطرد والمصادرة والاستيلاء والمناخ الأمني الذي يمكن أن يطال كل مواطن فلسطيني ومن الواضح أن ذلك يتم يومياً وفي ساعة وفي كل مكان.تتوقع خطط الاحتلال أن يستمر ما يجري في المنطقة لعشرات السنين وأن ذلك سيواصل إيجاد معادلات جديدة مناسبة له.وما من شك أن للإحتلال وقوى الاستعمار يد في كل ما يجري في الاقليم، ولكن المشكلة أننا نتوقع من الاقليم أن يدرك وينهض ويحاول استدراك ما يمكن استدراكه.في كل الظروف ومهما كانت المعادلات فإن الشعب الفلسطيني لن يكف عن هدف الحرية والكرامة والسيادة وعن توقعه لأن تدرك الأمة كل الأبعاد والمعطيات وأن يكون لها خطتها واستراتيجيتها المشتركة على قاعدة الحرية والانعتاق من طوق الهيمنة.إذن تصور الاحتلال مجرد حكم ذاتي منفصل في غزة عنه في الضفة ومتقطع بالكنتونات في الضفة والتخلص من العبء الديموغرافي في غزة وإيجاد قوى طاردة له في الضفة، وكل ذلك على طريق مراحل عبر عقود من السنين أكثر التهاماً للأرض والإنسان وأكثر خطورة في الأمن وفي الاقتصاد على مجمل الاقليم.


ردة النفط

ليس صدفة كلما انخفض أو ارتفع بشكل دراماتيكي انتاج النفط وبالتالي مستوى العرض والطلب وتبعية الاسعار لذلك أن تكون الولايات المتحدة الأمريكية هي المستفيد السياسي والاقتصادي في العالم.على إثر حرب اكتوبر عام 1973 قامت الدول العربية بخفض انتاج النفط وبغض النظر عن النوايا الايجابية لبعض قادة هذه الدول، إلا أن ما حدث في النتيجة هو ارتفاع الأسعار الذي أدى إلى رفع تكاليف السلعة في أوروبا واليابان وكان ذلك لمصلحة التصدير للسلعة الأمريكية.في ذلك الوقت عارض شاه ايران تقليص الانتاج وزيادة الاسعار بدايةً، وعندما أرادت الولايات المتحدة وقف مستوى ارتفاع الأسعار بسبب حسابات العملة الأمريكية عمل شاه إيران بشكل معاكس وأظهر انحيازاً لأوروبا واليابان، وربما لهذا السبب ولسياسة الإصلاح الزراعي ومحاولة امتلاك المفاعل النووي والاتفاق العراقي والايراني في الجزائر، لم يجد ملاذاً له في الولايات المتحدة، عندما سقط من السلطة على الرغم أنه عاش حياته موالياً للغرب ومسانداً لكيان الاحتلال في فلسطين، ومن البديهي أنه كان مناهضاً لشعبه وأن جهاز السافاك كان ينكل بالإيرانيين.وكذلك عندما قدمت الولايات المتحدة طلباتها للرئيس صدام حسين بعد انتهاء الحرب العراقية الإيرانية المؤسفة والمحزنة، تلك الطلبات المتعلقة بتصغير الجيش والنائي عن سياسة التصنيع الحربي وسياسة التنمية، وتأييد فلسطين، وصيغة النفط العراقي، وهو ما تم رفضه كاملاً، ازداد انتاج النفط وأخذت الأسعار بالهبوط حتى وصلت من 33 دولار للبرميل الواحد إلى 7 دولار، وكان كل انخفاض دولار في سعر البرميل يعني خسارة مليار دولار سنوياً للإقتصاد العراقي.لقد أشار إلى هذا الأمر الرئيس صدام حسين في حينه عندما قال "قطع الاعناق ولا قطع الأرزاق".وكانت الولايات المتحدة تخطط لاحتلال منابع النفط وإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط، وذلك ما جعلها توقع الرئيس العراقي في حينه في شباك مناورة التفافية، أدت في النهاية إلى ما أدت إليه من نتائج لحرب تحالف حفر الباطن.ونجد أن السيناريو يتكرر من جديد ولأسباب جيو استراتيجية مرة أخرى، عن طريق خفض أسعار النفط بدرجة غير مسبوقة وبما يقل عن أسعاره قبل أكثر من عشرين عاماً.ما من شك أنها تستهدف في البداية كلاً من روسيا وإيران بهدف اضعافهما، وتطويق سياستهما الاقليمية المناهضة للولايات المتحدة، فبالنسبة لروسيا هناك قضايا اوكرانيا وسوريا ودعم إيران والدخول في محور جيو استراتيجي مع الصين وحتى دول البريكس ومناهضتها لسياسة نصب الصواريخ في وسط أوروبا وتركيزها على سياسة التسلح والبناء العسكري والأمني.وبالنسبة لإيران هناك قضية النووي، وكذلك علاقاتها الروسية والصينية، وامتلاكها لأوراق إقليمية مؤثرة جعلتها قوة إقليمية فاعلة، سواء أوراقها في العراق أو سوريا أو مع حزب الله، وحتى في اليمن وأفغانستان وبعض دول الخليج التي تقع شرق السعودية أو التي لها قدرة التأثير عليها، وكذلك سياستها التسليحية وما تجمع لديها من سلاح وما نجم عن ذلك من إمداد بالسلاح.ما من شك أن الولايات المتحدة تريد صفقة متكاملة مع إيران تشمل كل هذه النقاط ولا تقتصر المباحثات على الشأن النووي بهدف إضعاف كل الأوراق الأخرى لإيران، وهي تمارس سياسة الضغط عن طريق الحصار الذي أثبت عدم جدواه، وعن طريق خفض أسعار النفط التي ستحدث إرتدادات معاكسة على المدى الطويل.أما بالنسبة لروسيا، فهي تريد أول ما تريد منها أن تخسر معركتها في أوكرانيا ومعركتها الدفاعية في وسط أوروبا، والتأثير على سياساتها التسليحية والدولية والشرق أوسطية ووضعها الاقتصادي عن طريق تدهور سعر الروبل وتداعيات هذا التدهور.وبالنسبة للإقليم فإن الولايات المتحدة تسعى إلى رسم خارطة جديدة تكرس فيه التقسيم سواء في العراق أو في غيره من الدول وتشاركها في ذلك كثير من الدول الأوروبية، وفي الأساس فإن كيان الاحتلال هو أكثر من يستفيد من هذه السياسة.ما فعلته الولايات المتحدة في سياساتها النفطية تمارسه أيضاً في الانخفاض أو الارتفاع الدراماتيكي لسعر الدولار لأسباب اقتصادية وسياسية في آن واحد.وبالعودة للواقع الإقليمي فإن النتائج الأبعد مدى من تدهور اسعار النفط هي ما ستصيب الدول العربية المنتجة للنفط، حيث تستهلك مخزونها بأسعار زهيدة، وإذا كانت إيران لديها تنوع في مصادر دخلها القومي، فإن بعض الدول العربية كالسعودية ودول الخليج قد خسرت الوقت في تراكم عائدات النفطي في إطار تنويع مصادر الدخل والاستثمار سواء وطنياً أو قومياً.إن استهلاك مخزون هذه الدول بأسعار رخيصة، وكذلك استهلاك احتياطياتها بنسبة من النسب، مع احتمالات تطوير مصادر طاقة بديلة سيجعل مجمل مخزونها النفطي في المستقبل أقل أهمية للاقتصاد العالمي.ربما تكون الصين هي البلد الأكثر استفادة من انخفاض اسعار النفط ذلك لأنها من أكبر مستوردي الطاقة، ولكن الدول المنتجة للنفط معرضة لأن تكون اكبر الخاسرين.إن هذا الأمر يمكن أن يؤدي إلى رِدّة تداعيات النفط ووجوده، بحيث يصبح مصدر إضعاف لدوله ويلتف الحبل في المراحل القادمة من حول عنق اقتصادها وسلامة كياناتها ووحدتها، وهو الأمر الذي يحتاج إلى وقفة مع المستقبل ودراسة المسار المحتمل وإلى سياسة من التضامن الصلب بين الدول المنتجة، وخاصة من خلال الأوبيك.إن صيغة إحادية القطبية تجعل الولايات المتحدة هي اللاعب الأكبر حتى في إطار اضعافها لحلفائها الأوروبيين، وتناقضهما مع سياسة بعضهما، وقد أصبح العالم بحاجة أكثر من أي وقت مضى لعدم الاستفراد الأمريكي، وللحد من إحادية القطبية.ما زالت الآفاق تحمل الكثير من المخاطر، ولا بد من النظر بالتقدير للدعوة لحوار بين السنة والشيعة على القضايا التي يمكن أن تكون منافذاً للتفجير أو الاستدراج.لم يكن أمن الولايات المتحدة ولا أمن كيان الاحتلال بعيدين عن تفجير البرجين في 11 سبتمبر، وكذلك فإن بعض الأدوات ما زال يتم استخدامها في الحقيقة حتى وإن تمت محاولات إظهار العداء لها.



سوريا في مواجهة التحديات الدولية


هناك العديد من العوامل والأبعاد المؤثرة في واقع القدس وقضية فلسطين.وغني عن القول أن برامج الاحتلال، والواقع الذاتي الوطني للشعب الفلسطيني من عوامل المركز لهذا التأثير، ولكن المحيط الإقليمي وما يجري فيه هو من العوامل المباشرة، وكذلك الواقع الدولي والرأي العام العالمي .وإذا أردنا أن نتناول من بين كل ذلك المحيط الإقليمي فإن أخطر ما يجب أن نتطلع إليه ما يجري لسوريا بكل تأثيراته السلبية وتداخلاته حيث أصبح هذا الجزء العزيز على قلوبنا من الوطن العربي هدفا لمعركة وساحة لمعارك في ان واحد، هو هدف لمعركة من قبل الاحتلال وظهيره الدولي الولايات المتحدة في إطار برنامج لوضع الإقليم برمته على نار حارقة تحقق الكثير من الدوافع والأهداف مستغلة ثغرة عدم التماسك بين الشعوب وأنظمتها بسبب أو لآخر.قد ينظر البعض لهذه الأرضية من عدم التماسك والالتفاف الشعبي أنها العامل الأهم، ولكن وفي حقيقة الأمر عندما يستهدف الوطن برمته وكيانه وجيشه واقتصاده فإن ذلك يتم بتدبير معادي وإمداد معادي وإدامة معادية.إن ما يجري في الوطن العربي هو نتاج برنامج مدبر يستغل واقع الشعوب التي تشعر بحاجتها إلى الحرية والمساواة في المواطنة والكرامة والديمقراطية والعدالة الاجتماعية وأكثر مواقع التدبير والاستهداف في هذه المرحلة هو ما يجري في سوريا ، ولا بد لنا أن نتطرق الى بعض الوقائع المفصلية والتي تحمل المؤشرات والدلالات منها ما تضمنه الاجتماع بين السيد اوباما رئيس الولايات المتحدة ونتيناهو بتاريخ 21/3/2013، فإضافة إلى ما تم بحثه في نطاق الوضع الفلسطيني، والمصالحة بين أوباما ونيتنياهو بعد فترة جفاء فقد ورد التالي فيما يخص سوريا:أولا: إنهاء الخلاف المعلن مع تركيا على قاعدة اعتذار نتنياهو لأردوغان، ووقف دعم أكراد تركيا وحل سلمي للقضية الكردية التركية وأي دولة كرديه في المستقبل تكون في العراق وتمتد إلى سوريا حسب تطور الوقائع.ثانيا: شراكة إستراتيجية بين تركيا وكيان الاحتلال في ترتيب المنطقة والأمر يتعلق بسوريا وإيران.ثالثا: كيان الاحتلال وحسب تطور الأوضاع في سوريا يفكر بخلق منطقة عازلة على حدود سوريا حال تطورت الأمور وسيطرت مجموعات إرهابية هناك - ولهذا توقف بناء الجدار.وإذا أمعنا النظر في التطورات التالية نجد الدخول المتعاظم لداعش في كل من العراق وسوريا وهو ما يبرر تطوير القوات الكردية البشميرجا وتطوير تسليحها إلى حد تصبح فيه كردستان دولة كاملة المقومات، وكذلك التمدد للتدخل في منطقة عين العرب تحت حوافز إنقاذها وإنقاذ سكانها من هجمات داعش.والأهم من ذلك أن تركيا أخذت تحاول إقامة منطقة عازلة تكون عمليا رأس جسر لسيطرتها ونفوذها في سوريا.أما من جهة كيان الاحتلال وقد كان من المحير ظهور داعش في بعض مواقع ريف القنيطرة وفي منطقة عرنه وهما مناطق للمسلمين الموحدين الدروز وكذلك ما وفره هذا الكيان من إعاقة للطيران العربي السوري عن التدخل في هذه المنطقة وقد تم إسقاط إحدى الطائرات الحربية السورية.وقد تزامن ذلك بمؤشرات لإقامة امتداد في مناطق الموحدين من جبل العرب وريف القنيطرة وعرنه وحتى راشيا وكفر شربا وحاصبيا وربما البقاع الغربي في لبنان وهي مناطق للموحدين الدروز وتشكل امتداداً للجولان سكانياً وجغرافيا.من المؤكد أن ذلك لم يجد أذناً صاغية من قبل المسلمين الموحدين الدروز العرب لأن انتمائهم العربي أقوى من كل المحاولات والنموذج هو مواقفهم في الجولان المحتل.إذن كان الاحتلال يتطلع إلى منطقة عازلة وفي الواقع فإنها تعني توسعا جديدا واحتلالا جديدا.من البديهي انه لم يكن من السهل عليه ذلك، لعوامل عديدة منها موقف الدروز أولا ومخاطر الاحتكاك بلبنان وحزب الله بل وبالجيش العربي السوري الذي تمكن من التماسك، ثانيا وإضافة إلى ذلك التداعيات الإقليمية والدولية المباشرة وخاصة في مواقف دول أساسية منها روسيا ودول البريكس الأخرى الصين والهند والبرازيل وجنوب افريقيا إضافة إلى مواقف كل من مصر وإيران وما اضطرت إليه الولايات المتحدة من إعادة تقييم سواء في العلاقات مع إيران أو التورط في المنطقة بل وما اضطر إليه بعض أصدقائها الذين انخدعوا بنواياها من إعادة تقييم أيضا.لقد أدى كل ذلك وغيره إلى بروز الحديث عن الحل السياسي في سوريا وهو خطوة ايجابية إلا أنها تنطوي على كثير من التجاذبات بين الاتجاهات المختلفة وهي محكومة أولا وقبل كل شيء بوقائع الوضع الميداني حيث أظهر الجيش العربي السوري تماسكا وثباتا وقدرة على الاحتفاظ بقواه الجوهرية وقدرة على التقدم والمناورة.وسوريا الآن مرهونة بالصراع عليها وكذلك هناك حالة تجميد للوزن العربي في هذه المرحلة التي تحاط بها القدس بأخطر مفصل من مفاصل الإجهاز عليها وحسم الوضع في الضفة الغربية من قبل الاحتلال وهو التحدي الأكبر في هذه المرحلة للواقع الفلسطيني الذي ليس أمامه إلا أن يواجه التحدي بسلسلة من محاور العمل الأساسية ومنها إعادة تقييم شاملة للمسار بكامله، وتطوير المقاومة الشعبية ومواجهة الاستيطان، الوحدة الوطنية وترتيب وضع وطني متكامل ومواصلة عمل ناجع وفعال في الإطار الدولي وخاصة مجلس الأمن والانضمام لميثاق روما وصولا إلى محكمة الجنايات الدولية وغيرها من المنظمات والاتفاقيات الدولية وفقا لخطوات مدروسة.وكذلك توسيع الحملة الدولية والإعلامية وحملة المقاطعة والبناء على ما برز في إطار الرأي العام الأوروبي وبرعاية الكثير من الدول الأوروبية.وذلك بالتوازي مع محور الحفاظ على الذات والبقاء في أرض الوطن والصمود وتعزيز ثقافة ذلك وإيجاد صيغ تحقق التكامل بين كل هذه الاتجاهات وقواعدها التي يمكن في حال عدم الدقة أن تتضارب فيما بينها.أما المحور الآخر والهام جدا فهو أولا إعادة أعمار غزة وإنهاء الانقسام بكل ذيوله.إن الحفاظ على القدس يستوجب إضافة لتوفير كل مقومات صمودها البطولي وتعزيزه إلى تحقيق كل الخطوات المذكورة والسير بحزم وثبات على طريق الحرية والكرامة والاستقلال.


فلسطين أمام واقع دولي وإقليمي


تيقنت الولايات المتحدة وربما الكثير من حلفائها أن حل الدولتين أصبح متعذراً، ليس بسبب سياسات نتنياهو فحسب، وإنما كذلك بسبب الانجراف إلى التطرف في أوساط كيان الاحتلال.
ومما يزيد الطين بلة الإنهيار الإقليمي المحيط في الوسطين العربي والإسلامي، من خلال السقوط في دوامة التدمير الذاتي، حيث تصبح جميع الأطراف أدوات في تدمير ذاتها ونقاط قوتها ونطاقها سواء أدركت ذلك أو ربما البعض لم يدركه.
تتفاقم أزمة الاقليم ويتسع نطاق صراعاته، وتستخدم الولايات المتحدة الأطراف أدوات في لعبتها من حيث يدري غالباً كل طرف أو ربما كذلك من حيث لا يدري،وتقوم بتغيير الأدوات والأسماء وتجديدها وتجديد صيغ لها، وتحاول في نفس الوقت إخفاء بصماتها وأحياناً اعلانها معارضة أدواتها الأكثر تدميراً، لأن ذلك ضروري لتنفيذ المخططات، ولأن الارتباط بمثل هذه الصيغ من الأدوات محرج ومدين ومغاير للادعاءات الأمريكية بكل ضروراتها.
تتغير المواقف والتحالفات وطبيعة التناقضات الرئيسية في المنطقة على إيقاع خفايا سياسة الولايات المتحدة، بحيث أصبح اتجاهها بمجملة ضد مصالح الأمة، وفي خدمة مصالح الاحتلال.
تتغير الحدود، ويجري بروز أوضح لتقسيم الأمر الواقع، ولعل المثال الأكثر وضوحاً هو ما يجري في العراق، بينما يتم ذلك بملامح ما زالت عائمة في سوريا، وهي ملامح تشير إلى أن المخاطر قد تسفر عن عدد من الكيانات أو مناطق النفوذ بتصورات طائفية وغير طائفية.
سوريا هي البلد الأكثر تعرضاً لأكبر تفتيت ولا يمكن أن يكون هذا صدفة، فمنذ عام 1974 أبدى السيد هنري كيسنجر تصورات تقسيمية لمحيط كيان الاحتلال ضرورية لهذا الكيان.
ولعل سوريا هي الدولة الأكبر من دول الطوق التي لم توقع معاهدة صلح مع هذا الكيان.
ثمة ملامح خفية لفرص انضمام المناطق ذات التواجد الكردي من سوريا إلى كردستان العراق، ولإقامة منطقة نفوذ تركية، والدفع باتجاه إقامة كيان علوي، وإقامة منطقة نفوذ لكيان الاحتلال، وقيام دائرة من المناطق المتجانسة شرق سوريا وبمحاذاة غرب العراق.
العراق ثلاثة كيانات متناقضة ربما تحت عنوان اتحادي وسوريا خمسة كيانات كل منها له مصيره، والأطراف العربية والإسلامية في خضم الدوامة بشكل من المؤكد فيه أن يكون لكل طرف دوره في جحيم هذا التدمير.
إن ما يجري في ليبيا واليمن يكاد يستدرج الأطراف الأكبر إلى ما هو أخطر.
تنعكس مآسي التطورات الإقليمية على القضايا العربية وفي مقدمتها قضية فلسطين حيث ينشأ وضع عربي ليس مشلول القوة والقوى فحسب وإنما يدمر ذاته بذاته تحت عناوين وقضايا من المستغرب أن تنطلي على أطرافها.
كان يمكن تفسير الوقوع في دوامة عمى الألوان في البدايات، ولكن الآن لا يمكن التوقف إلا عند تفسير واحد وهو أن جميع الأطراف المساهمة في دوامة التدمير الذاتي تدرك ذلك وتشارك فيه بدور وظيفي ومهام مرسومة.
ربما هناك من وجدوا أنفسهم أمام خيارات مفروضة، ولكن حتى مثل هذه الحالات لم تتمكن من إدارة للأزمة في محاولة للانقاذ أو بما ينم عن وعي أبعاد المؤامرة مبكراً.
هناك ازدواجية في المواقف تثير الريبة وهناك المواقف المتناقضة لكل طرف حسب ظروف المكان والزمان والأطراف وتحالفاتها.
وفي مقابل كل ذلك أصبح الاحتلال في مأمن حتى ممن يرفعون شعارات مقاومته ومواجهته بل وفي حالة مد جسور مع أطراف لم تكن علاقتها معه تفسر بغير القطيعة الكاملة.
كل ذلك يجعل الولايات المتحدة تعرف أن حل الدولتين أصبح مجرد سراب أمام الشعب الفلسطيني لا تريد لهذا السراب أن يتبدد لأنه يخدم مخططها في الترتيبات الاقليمية بينما يتيح مزيداً من الفرص لكيان الاحتلال.
هذه الصورة تلقي بكل ظلالها على فلسطين، بداية ما يجري من إجهاز حثيث الخطى على القدس، ومن تثبيت أمر واقع لابتلاع أكبر مساحة ممكنة من مناطق فلسطين التاريخية، وخاصة في الضفة الغربية، بل ومن استعداد للوثوب خارج فلسطين وفقاً لنضج معادلة دولية وإقليمية تتيح وثبات جديدة.
عندما اسقطت القمم العربية خيار السلاح، فقدت فلسطين القاعدة الارتكازية الآمنة التي توفر كفاحاً استراتيجياً غير مجزوء أو مسيطر عليه.
بقي هذا الأمر يتداعى إلى أن وصلت الحالة الفلسطينية إلى درجة غير قليلة من الشلل أو ضعف الخيارات، وربما انعدام البدائل.
ولعله كان من الطبيعي في ظل موازين القوى العربية ومنحاها التنازلي ومخططات الاحتلال والاستعمار أن تصل فكرة حل الدولتين إلى طريقها المسدود، والتي اتخذتها قوى الاستعمار اصلاً مجرد زرع من الأوهام.
وفي ظروف استمرارية الوضع الدولي في إظهار تبني خيار حل الدولتين دون تحقيقه، وهو يعرف أن طريقه غير سالك، فإنه يوهن التوجه الفلسطيني نحو خيارات أخرى.
من الطبيعي أن تظهر نزعات لاستكشاف البدائل، وأول ما بدر منها أن الدولة الديمقراطية بدون تمييز بين العرق أو الدين أو الجنس، وبدون عنصرية هو أحد الأهداف الفلسطينية والذي تم تبنيه منذ عام 1968، وأن الشعب الفلسطيني تلقاه بدايةً بكثير من الاستهجان، لأنه يدرك أن حقوقنا الطبيعية تكمن في تحرير فلسطين.
وحتى في إطار الشرعية الدولية فقد صدر القرار 242 لمعالجة آثار عدوان عام 1967، وهو القرار الذي لم يتجرعه الشعب الفلسطيني، بينما قرار عام 1947، بحدود معرفة هو القرار مع القرار 194، اللذين صدرا لمعالجة جذور قضية فلسطين بكل ما فيهما من افتئات وتجني على مدى الحقوق الفلسطينية.
خيارات تتم مراجعتها في نفس اللحظة التي يتم فيها التوجه إلى محكمة الجنايات الدولية، كما هو مؤكد قبل نهاية شهر حزيران القادم، حيث سيتم تقديم الأوراق الفلسطينية.
لقد أصبح الشعب الفلسطيني أمام خيارات ضئيلة للتحرك ومنها فرصة التحرك على الهوامش في الإطار الدولي.
ولكن فرصته الذاتية التي يعبر عنها بكامل تصميمه هي الحفاظ على الذات بكل ما يعنيه من وحدة ومصالحة وتماسك وبقاء في أرض الوطن على الرغم من ظروف مناخات طاردة شديدة المكر والوطأة.
إن وضعاً إقليمياً ودولياً معقداً يدفع باتجاه أو يفرض حالة من التناقض بين الموقع الطبيعي والموقع المفروض.
لا شك أن إرادة ورباط الشعب الفلسطيني هي أساس كل أمل مستقبلي، حتى في العمق الإقليمي، من المؤكد كذلك أن عوامل دولية جديدة بدأت تظهر لا يمكن المرور عليها.
فقد أعطت احتفالات يوم النصر في روسيا رسائل في كل الأبعاد ومن أبرزها ذلك التواصل بين الهند وروسيا والصين، وتلك الشراكة بين الصين وروسيا، وما تم إعلانه عن اتفاقيات. وما تم إعلانه عن استراتيجية لإنهاء عهد إحادية القطبية وتحقيق عهد تعدد الأقطاب العالميين.
لقد تم استعراض عسكري ظهر فيه من الحزم وقوة الإرادة ما يذكر بالاستعراض الذي قام به ستالين في الحرب الوطنية العظمى، عندما كانت تمر القوات المشاركة في الاستعراض من مكانه إلى مواقعها في جبهة القتال، لقد ترك ذلك أثراً معنوياً إيجابياً في المقاتلين السوفييت، وعكسه في القوات النازية.
بدأ يلوح تغيير في العالم، حتما ستصل تداعياته إلى منطقتنا لكن المشكلة في الزمن الذي ستستغرقه هذه التداعيات لكي تصل، وفيما يمكن أن تكون قد أصبحت عليه الحالة العربية ومن ضمنها واقع فلسطين والتحديات أمام الشعب الفلسطيني في وطنه.
يجب أن تقف الأطراف العربية والإسلامية أمام الحقيقة وأن تتجرع مرارة تجاوز الماضي والجراح، لكي تتمكن من البدء في طريق الإنقاذ.
ما من شك ان الاستعمار يستخدم أدوات قابلة للتغيير والتجديد واستمرارية الإمداد في إطار من الخديعة والملامح الكاذبة، وهو أمر يتطلب من الجميع أن يكفوا عن أن يكونوا أطرافاً فيه.
ربما لا يستطيع البعض أن يكف لأن إرادته مرهونة، وربما لا يستطيع البعض أن يكف لأنه غير قادر على الخروج من وجع الجراح، لكن المستقبل أمام الجميع أسوأ مما يتخيلون إذا استمروا في هذا الطريق التدميري.
كفى وألف كفى، يجب أن يفهمها الجميع.



في ذكرى الخامس من حزيران 1967


لا بد للإنسان العربي ومنه الإنسان الفلسطيني أن يقف وقفة مراجعة خلال ثمانية وأربعين سنة بعد أن قام كيان الاحتلال بعدوان عام 1967 واحتلاله لكل ما كان قد بقي من فلسطين وأراضي عربية أخرى. لقد كان ذلك المنعطف منعطفاً أساسياً في تاريخ الصراع العربي مع كيان الاحتلال وفي الخارطة الاقليمية، وقد استمرت تداعياته تتكشف وتتعمق لعقود عديدة.
 مما لا شك فيه أن حرب تشرين وقعت بعد هذا التاريخ، ولكن نتائجها وتداعياتها أديتا إلى تغير في خارطة جبهة الصراع مؤثر وخطير. كانت مصر هي الركن الأساسي في جبهة الصراع وبعد كامب ديفيد أصبحت هذه الجبهة بدون مصر، وتم التطلع إلى إقامة جبهة شرقية معاوضة، ولكن الحرب العراقية الإيرانية والخلاف السوري العراقي أعاق فعالية هذه الجبهة وحتى قيامها.
وقد انعكس ذلك في محاولات من أطراف أساسية لانهاء خيار السلاح والمواجهة، وهو الأمر الذي أشعر القيادة الفلسطينية بخطورة ذلك، حيث سيتم الاستفراد بها وحرمانها من القاعدة الارتكازية الآمنة التي هي ركن أساسي من أركان الكفاح المسلح الفلسطيني، والقائم على مبدأ حرب الشعب ومفهوم التحرر الوطني وهو ما تم فعلا  بعد اجتياح لبنان عام 1984 والانشقاق الذي تلاه داخل الحركة الأمر الذي أبعد القيادة الفلسطينية والتواجد الأساسي آلاف الكيلومترات، ولم يتم حتى استدراكه بفتح خطوط الكفاح من القاعدة الارتكازية إلى داخل الوطن وبالتالي انتهاء القاعدة الارتكازية للثورة حتى للذين بقوا على ساحتها.
وقد أعقب فقدان هذا الجدار الاقليمي فقدان الجدار  الدولي بعد هزيمة الاتحاد السوفياتي وانتهاء  الحرب الباردة في قمة مالطا بين السيدين ميخائيل غورباتشوف وجورج بوش الأب الذي خرجت على  إثره الولايات المتحدة في طور جديد من أطوار  استراتيجيتها في الاقليم. وما زاد من خطورة الأمر هو هزيمة ما تراكم من سلاح عربي للعراق في معارك حفر الباطن. وقد اصبح الواقع الاقليمي مكشوفاً لسياسات الولايات المتحدة وفتح أمامها النوافذ للانتقال إلى أطوار جديدة. ولا بد من التطرق إلى رافعة إيجابية هي الانتفاضة الأولى، والتي أدت إجراءات الاحتلال والظروف الاقليمية الجديدة إلى زخم من التركيز لإنهائها.
ولكنها على الرغم من ذلك استطاعت أن تضع فلسطين على طاولة الترتيبات الجديدة. يشهد الواقع الاقليمي الآن منعطفاً بحجم منعطف ما بعد حرب عام 1967 ، وهو منعطف ما سمي بالربيع العربي، وما انطوى عليه من وقوع في دوامة تدمير قطرية اقليمية كاملة بعناوين دينية او طائفية او قومية أو عشائرية او جهوية او اجتماعية، الكثير منها انطوى على مطالب محقة، ولكن الجميع انزلق إلى فخ دوامة التدمير الذاتي الذي أعدته الولايات المتحدة وبحوافز من كيان الاحتلال منذ عقود طويلة.
 إن أهم حافز من حوافز هذه المنعطفات هو توسع كيان الاحتلال، بحيث يهضم الوجبة الأولى للانتقال إلى الثانية، ولعل صمود ومقاومة الشعب العربي الفلسطيني كانت خط الدفاع الأول لما أظهرته من استعصاء على الهضم. لكن على الرغم من أن الشعب العربي الفلسطيني أثبت أنه لن يستسلم وسيبقى صامداً في وطنه وهو ما سيجعل هضم هذا الوطن عسيراً على أنياب الاحتلال على الرغم من كل ما يمتلكه من أوراق وقلة ما يمتلكه الشعب الفلسطيني من أوراق.
ليس هذا فحسب بل أعطت مناخات ما سمي بالربيع العربي الفرصة لكيان الاحتلال للتطلع إلى نطاق نفوذ جديد يكون مقدمة لفرص توسعية وخاصة على الجبهة السورية ومنابع المياه في لبنان. إن وقفة المراجعة المطلوبة هي وقفة استدراك للأخطاء ونقاط الضعف و أولًا وقبل كل شيء القدرة على الخروج من دوامة الاستنزاف الجاثم على قلب الأمة والاقليم بعالميه العربي والإسلامي. يبدو أن بعض الأطراف غير قادرة على الصحوة وأن بعض الأطراف تحكمها هيمنة الأجنبي وبعض الأطراف تحكمها نزعة الهيمنة في النطاق الاقليمي.  ذلك الأمر يجعل المراجعة عسيرة، والخروج من دوامته صعباً على الرغم من أن لكل دوره وأن على الجميع أن يتقي المخاطر في خندق الصراع الأمامي الآن قبل أن تصله النار.
 لن تفلت هذه النار أحد قادر على الوصول إليه في الاقليم مهما تراءى الأمر على عكس ذلك. كذلك فإن فقدان التماسك بين الأنظمة والشعوب قد قدم الثغرات والهوامش للنفاذ منها، مثلما أفقد تماسك الأمة المناعة في وجه الاحتلال وأطماعه. لقد برزت بعض صور التضامن في الماضي، ولكنها لم تكن كافية، وكانت تبرز في اللحظات الأخيرة في الوقت الذي كانت تحتاج فيه إلى المقدمات الطويلة الأمد والتناسق المتجذر اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً. لعل ضروروات الافلات من الاستنزاف القائم وأولويته يجعل من المبكر الحديث حتى عن حدود كانت غير كافية في الماضي.
ولكن على الجميع أن يدرك أن هذه الأمة في سباق مع التاريخ والزمن وأن أمامها مسافة كبيرة للحاق تكنولوجياً واقتصادياً وحضارياً بكثير من الدول من الدرجة الثالثة بالمعايير العلمية لهذا التصنيف، سواء
الناتج القومي أو امتلاك التكنولوجيا العالية أو القوة  العسكرية المتكاملة والتي تتناسب مع حجمها أو التنسيق والتكامل المطلوب. يعيش الواقع الدولي عصر المتحدات الكبيرة والتحالفات الأكبر بينما لا تستطيع الأمة تحقيق درجة من التعاون كافية لردم الصراعات والتأسيس لمستقبل يحمي مقدراتها حتى الحالية. من البديهي أن على الواقع الفلسطيني أن يجذف
في هذا البحر المتلاطم، وأن من واجبه أن يجيد ذلك أكثر مما يفعل وأن يجيد التماسك الذاتي بكل معانيه، وأن يجيد تلافي السلبيات وتعزيز الصمود والبقاء وبناء الإنسان كماً ونوعاً. كل ذلك يحتاج إلى خطة واضحة وآليات قادرة وإرادة
صلبة لمواجهة التحديات والمناخات المضادة التي يجتهد الاحتلال في توفيرها. على الجميع أن ينتبه إلى ضرورات اليقظة بأسرع وقت ودون أي إبطاء لأن نار الاحتلال والاستعمار لن ترحم أحداً.


مخيم اليرموك


لا شك أن مأساة مخيم اليرموك هي جزء من المأساة العامة في سوريا. هذا المخيم الصامد المرابط الذي ينبض قلبه وطنيةً وانتظاراً للعودة إلى فلسطين، والذي أعطى الثورة مهجاً ومساندةً وتفاعلاً كاملاً في نطاق العطاء الثوري الخلاق.لا يمكن نسيان شهداء هذا المخيم وباقي مخيمات سوريا التي قدمت جميعها، وتشهد لها مراحل التألق الثوري أنها كانت القاعدة الجماهيرية الصلبة الراسخة.يعاني الآن مخيم اليرموك من وحشية لا تقل عن وحشية الاحتلال، ويعاني اللاجئون فيه معاناة لجوء آخر، وضياع آخر، ودماء أخرى، تماماً مثلما يعاني كل جزء من أجزاء التواجد الفلسطيني بشكل أو بآخر ووفقاً لسياسات أو أخرى من جوانب المأساة التي يتضامن في مصائبها ذاتياً، حيث تتعاطف أجزاؤه بعضها مع جميع البعض الآخر داخل الوطن وخارجه، وتتقاسم جريرتها.إن وجدان وروح وضمير كل فلسطيني يتطلع الآن إلى مخيم اليرموك. من البديهي أن هذه المأساة بأيدي المجموعات المتطرفة لا تنفصل عن المأساة في المنطقة كلها.تتعدد وتتنوع سيناريوهات الفوضى الخلاقة والتدمير الذاتي في الأقطار العربية وفقاً لظروف كل منها وطبيعة الأدوات المستخدمة بشكل مباشر أو غير مباشر؛ بالارتباط، أو بالانجرار الأعمى لفخ المؤامرة التي وضعتها الولايات المتحدة لمصالحها ولمصلحة كيان الاحتلال وبالتواطؤ معه.تستهدف هذه المؤامرة أول ما تستهدف الشعب العربي وروح القومية والوحدة العربية. بل وحتى روح الوحدة القطرية للبلدان العربية، من أجل تقسيم المقسم وتجزئة المجزأ، مطلقة عنان الشر والمجازر في إطار كل من هذه البلدان التي طالتها يد الفوضى الخلاقة والتدمير الذاتي، وعناصر التدمير المصدرة عبر الحدود ومن جنسيات مختلفة.كان لا بد أن يكون لكل بلد سيناريو، ولكن أسوأ السيناريوهات هي ما وقعت كل من ليبيا وسوريا والعراق واليمن فيها، والتي أفلتت منها –بالكاد- مصر المستهدفة أكثر من غيرها بحكم التطلع الدولي الاستعماري لمنع قيام قطب عربي يجمع الأمة العربية وأقطارها، والتطلع الإقليمي من قبل الأطراف غير العربية المجاورة للجناح الآسيوي من الوطن العربي، للتمدد، وإطلاق سيطرة أذرعها في البلدان العربية. وهو ما يظهر أحياناً تحت عناوين طائفية أو إصلاحية أو عرقية، وحتى باستخدام لواء معركة فلسطين بما لا يؤدي إلى دفع ثمن هذه المعركة.من المؤكد أنه لا يمكن مساواة بعض هذه الأطراف بطرف كيان الاحتلال الذي لا يتطلع إلى الهيمنة الاقليمية فحسب، ولكنه سلب فلسطين وشرد اللاجئين، ويقف حاجزاً منيعاً أمام الوحدة العربية. وله مصلحة في كل مأساة تصيب الأمة، ويضمر في حقيقة الأمر لجميع الأطراف العربية والإسلامية نوايا العدوان والشر والتجزئة بغض النظر عن تحالفاته المرحلية المتنقلة، لأنه يرى في كل منها عدواً مستقبلياً مؤكداً.يتم إعداد كل سيناريو وفقاً للظروف والمناخات التي يمكن أن تفرز من عناصره أطرافاً تكون وقوداً لصراع ذاتي وتدمير ذاتي.وقد وقع مخيم اليرموك كما وقعت سوريا ضحية لسيناريو، من الشمال، ومن الجنوب، بقصد تدمير قوى سوريا، وإحداث هجرة فلسطينية أخرى، وضرب أحد الجيوش العربية الهامة، والذي يشكل أحد أركان الأمن القومي العربي.كان حرياً النأي بالنفس في المخيمات عن دخول هذا الصراع، ولكن أكثر من طرف عمل على زجها، سواء عن سوء نية أو قصر نظر، إضافة إلى أن ما يصيب سوريا في كل الظروف لا بد أن يصيب فلسطين والأمة بأسرها. أما وقد وقع مخيم اليرموك في أتون الصراع فلابد من المواجهة كما وقع في عين العرب ولابد لكل سلاح فلسطيني او مؤازر ان يواجه تحدي التطرف البشع، لأن التحدي لا يواجه الا بالتحدي.لم تتمكن الدول العربية من تفاهم على الأمن الاستراتيجي القومي الموحد، وهو ما جعل بعضها يقع في شباك هذا الطرف أو ذاك، سواء الأطراف الاقليمية أو الأطراف الدولية الاستعمارية التي تقع بعض الأطراف العربية في شباكها أصلاً.وأصبحت الشعوب العربية ضحية بحوافز متناقضة ومتعددة وتحت عناوين تبدو في ظاهرها محقة، ولكنها كلها كانت كلمة حق يراد به باطل. وهنا يجب أن يسمع الجميع: كفى تدميراً وهلاكاً، على العرب أن يعيدوا تقييم مواقفهم وأن يعزلوا كل أذرع الاعتداء غير العربي دولياً وإقليمياً. كفى تدميراً وتراجعاً وانعدام وزن. لا يوجد هناك منتصر مهما أسفرت عنه نتائج التدمير الذاتي، مؤامرة التقسيم الجارية المتصاعدة.لقد لجأت كل الأطراف المحركة في سياسة ذرائعية وازدواجية المعايير، وقد تناقضت المعايير في مواقف كل من هذه الأطراف، لأن حقيقة الهدف هو تدمير فرص القوة العربية القادرة على أن تشكل قطباً إقليمياً محورياً، ولأن بعض العرب لم يضعوا معيار الأمن القومي العربي كأساس لسياساتهم ومواقفهم.لا يمكن أن يكون صديقاً مخلصاً لأي طرف عربي من يمد أذرعه في حمى أية دولة عربية، لأن ذلك ينمّ عن نزعة هيمنة شوفينية في حقيقتها.شعبنا يدفع الثمن في أكثر من مكان، وفي معظم الصراعات، مما يستدعي التفكير أن ذلك مقصود ومتعمد بهدف التهجير وخدمة كيان الاحتلال، ونزعات الهيمنة على اختلاف خنادقها. والدولة الاستعمارية الكبرى التي تجري في فلكها بعض الأطراف التابعة.كان حرياً كذلك بالمنطقة أن تجد سبيلاً لحلول فكرية وسياسية خلاقة، تؤدي إلى الحفاظ على مقدرات كل دولة عربية وإسلامية، وتعزز تطورها ومنعتها دون أن يكون ذلك على حساب بعضها أو حساب أي شعب منها.السياسات تحتاج إلى إعادة تقييم وتغيير، والنظرة العقائدية بحاجة إلى إعادة تطوير وتجديد واستنهاض، والعلاقات الاقتصادية تحتاج إلى فرص للتكامل مقوماتها موجودة، ولكن الإرادة حيال كل ذلك تحكمها العوائق السلبية من الشوفينية والطائفية والتبعية، والحكم البعيد عن الشعب وأوجاعه واحتياجاته.يلوذ الكثير من المواطنين العرب ومنهم الفلسطينيون إلى هجرة البحار شديدة الخطورة، لعلها تكون أرحم من واقع مر تتحارب فيه الأطراف المصنعة والمجهزة من أطراف أجنبية جاعلة شظايا حربها تطال كل مكان.وبينما يتطلع المحاصرون في المخيمات وغير المخيمات إلى قطرة من الماء إغاثة للأرواح، أو إلى هدنة بين معركة وأخرى وبين قصف وآخر. فإن بعضهم يتساءل: هل يمكن أن يكون الهلاك في البحر أرحم مما يجري.



مفاجآت المقاومة تتوالى وتحسين الشروط مطلوب


ما زالت تدور رحى المعارك في قطاع غزة منذ ان بدأت الحرب البرية، وبغض النظر عن النتائج النهائية فهناك عدة حقائق افرزتها النتيجة حتى الان على المستويين العسكري والسياسي ومن اهمها:
اولا: لقد بدأ العد العكسي لوجود كيان الاحتلال في فلسطين.
ثانيا: اصبح الردع متبادل فمقابل تفوق الطيران تفوق الصواريخ ومقابل اعداد الدبابات ونوعيتها الصواريخ المضادة للدبابات مثل الصاروخ كورنيت.
ثالثا: تفوق المقاتل الفلسطيني المؤمن بحقه وعدالة قضيته. وهذا التوحد الفلسطيني حيث    ذوبت الخلافات في ارض المعركة وتحفز الجميع نشوة الانجاز .
رابعا: انعدام تجذر المهاجر اليهودي الذي ترك بلده الاصلي واتى الى فلسطين، وحالة الرعب التي يعيش بها السارق المختبىء. وقد تعزز لديه انه سيعيش في حروب دائمة في هذه البلاد وان لا مستقبل له ولاطفاله فيها سوى تكرار الحروب.
في اطار كل ذلك يجب التأكيد على مبادىء اساسية ومنها:
·         ان الميدان هو الذي يحدد سقف المطالب للاطراف وفقا لتقدير كل طرف لموازين قوته، ومن الواضح ان المقاومة الفلسطينية تمتلك قدرة الاحتمال الاعلى، والجاهزية المسبقة. ومفاجأة قوات الاحتلال .
·         وجوب ان تخضع المبادرات خارج الميدان الى تقديرات من هم في ميدان المعركة. يمكن القاء اي مبادرة من اي طرف صديق فاذا كان هناك حاجة وفقا لتقدير الموقف ميدانيا لصيغة هذه المبادرة يمكن التعاطي معها. والا فمن حق المقاتلين ان يضعوا شروطهم ومن الواجب مساعدتهم في تعزيز شروطهم .
ان اي قيادة للمعركة من واجبها تقدير الموقف ووضع الحد الاقصى الممكن تحقيقه، والقيادة التي تسعى الى ما هو دون الحد الاقصى الممكن تكون اقل مستوى من حقائق الميدان واستحقاقات المعركة.
ان المعركة البرية اليوم بما فيها اسر الجندي من قوات الاحتلال تتطلب اعادة صياغة المواقف العربية بما يتناسب مع مجريات المعركة وتداعياتها، وهذا هو الامر الطبيعي.
ما من شك ان الأخذ بعين الاعتبار احتمالات التداعيات القصوى للمعركة هو امر هام.
 وما من شك اي نصر او صمود لأية قوة عربية يضيف الى ميزان القوى العربي الذي يحتاج الان الى اصغر اضافة.
لا يمكن النظر الى المعركة من خلال الخلاف بين هذا الطرف العربي او ذاك وانما من خلال ميزان القوى الاستراتيجي للامن القومي العربي الذي يتهدده حاضرا ومستقبلا وعلى كل مدى هذا الاحتلال الدخيل.
وهنا لابد ان نتوقف امام ظاهرة ان الاحتلال كان دوما يستفرد بطرف عربي في ظروف تبقي الاطراف الاخرى محيدة وخاصة حيال ظاهرة المقاومة.
لقد استفرد بالثورة الفلسطينية في لبنان الى حد دخول بيروت والى حد ان الشهيد ياسر عرفات طالب ولو بباخرة دقيق، ومع ذلك صمدت الثورة ولم تنكسر ارادتها امام اجماع دولي واقليمي.
وكذلك استفرد بالمعركة مع جزب الله لاكثر من مرة وانتصر الصمود.
واستفرد بالانتفاضة الثانية (انتفاضة الاقصى) في الضفة الغربية بقيادة ياسر عرفات الذي قدم اسطورة صمود في الحصار الى حد الاستشهاد. وهو اليوم يستفرد بقطاع غزة.
آما آن ننسى خلافاتنا وجراحنا واخطاءنا بحق بعضنا مهما كانت عميقة في وجه الخطر الاستراتيجي التاريخي ولا نترك غزة وحدها على الرغم ان غزة وصمودها اليوم يحدث تحولا في مسار المستقبل بأكمله…؟؟
اليوم بدأت كتابة العد العكسي لكيان الاحتلال. آلا يمكن تعزيز ذلك كل حسب ظروف وقدرات واستعدادته…؟؟
لقد ارتفع سقف مطالب المقاومة لسببين:
الاول: ما اظهرته من مفاجات ومباغتات لقوات الاحتلال، وما اوقعته من خسائر في صفوفهم وهو ما يعني ان معركة الاحتلال طويلة وان فرص نكوصه عن مواصلتها اكبر.
الثاني: حجم الوحشية والقتل في صفوف المدنين والذين اراد الاحتلال اليوم بالذات من هذه الوحشية التغطية على فشله الميداني.
ما زال الاحتلال امام فرص مفاجأت اخرى بقواته وافراده ودباباته وحتى بالانعكاسات الخارجية.
وعلى الجميع ان يدرك معنى هذه الحقيقة في شروط المبادرات المطروحة او التي يمكن ان تطرح.
المقاومة تتصرف بثقة ومصداقية وقوة تصميم، وفي الحقيقة لم يعد امام كل الفلسطينين ما يخسرونه حيال كل هذا الطغيان من قبل احتلال وحشي ومجرم.
وليس من المفيد الان تقييم كل الطرق والاساليب التي تم تجريبها ولم تكن مجدية او اخفقت لاسباب ذاتية او غير ذاتية.
المهم هذه المعركة تلوح فيها بشائر النصر.


وحدة التنوع

تتركز التداعيات السلبية التي تتطور في هذه المرحلة ليس بما يقتصر على أماني الوحدة العربية، ولكنها تنال بشكل خطير من الوحدة القطرية التي هي أصلاً نتاج تقسيم استعماري رسمته خارطة النفط وتحالفات ما بعد الحرب العالمية الأولى. والاقتسام الذي تمثل في اتفاقية سايكس بيكو بين الاستعمارين البريطاني والفرنسي في ذلك الحين.لقد أثبتت الأحداث أن هناك هشاشة كبيرة في الوحدة القطرية مصدرها سلوك الانظمة والحكام، وليس سلوك التنوع في داخل القطر الواحد، لأن التنوعات كانت جاهزة للإبقاء على الإطار الوحدوي القطري وحتى القومي العربي، وكانت أقصى ما تريد هو الحفاظ على الحقوق والثقافة واللغة الخاصة والتمتع بالمواطنة المتساوية، وربما درجة من درجات الحكم الإداري الذاتي.يبدو أن جزءً من الأغلبيات أو الأقليات أحياناً، لم يفهم أو يستوعب معادلة وحدة التنوع وخاصة الطبقات الحاكمة أو الطامحة في السلطة.دلت الممارسة أن طريق وحدة التنوع القطري أو القومي العربي أو لدى الدول الأخرى سواء الأكثر تقدماً أو الأكثر تخلفاً كل حسب معطياته الإيجابية أو السلبية تسلك أحد شكلين:الأول: هو الطريق القسري، وهو طريق الديكتاتورية والقمع وحظر الثقافة الخاصة وعدم احترامها وعدم المساواة الفعلية سواء في المواطنة أو الحقوق وإحتكار السلطة والمقدرات من قبل أحد الأطياف، والتفتيت الديموغرافي ونقل السكان وغيرها.هذا الطريق هو أقصر طريق للإنقسام في أية لحظة تلوح، سواء عندما تضعف في البلاد السلطة المركزية أو ترتخي القبضة الحديدية أو تظهر أطراف يمكن الاعتماد عليها.من الطبيعي أن البلاد قد تمر في مفاصل تحتاج إلى قبضة السلطة المركزية وخاصةً في مواجهة تحديات خارجية أو مخاطر وجودية، ولكن هذه القبضة لا يمكن أن تنجح بدون التماسك الداخلي الذي يتمكن من عزل النزعات الانفصالية وأطرافها، ويمكن من مواجهة التحدي الخارجي والحفاظ على وحدة الوطن وقواه ومقدراته.في كل الظروف هذه مفاصل استثنائية أكثر احتياجاً للتماسك الداخلي الذي يتمكن من عزل النزعات الانفصالية وأطرافها، ويمكن من مواجهة التحدي الخارجي والحفاظ على وحدة الوطن وقواه ومقدراته.في كل الظروف هذه مفاصل استثنائية أكثر احتياجاً للتماسك الداخلي الكافي والواسع والذي يقوم على أسس غير قسرية.الثاني: هو طريق الوحدة الإرادية للتنوع، وهو ما استلزم ويستلزم المساواة في المواطنة وعدم التمييز في الحقوق والواجبات فعلياً، وعدم استفراد الأغلبية أو أقلية ما بالحكم ومواقع الدولة والجيش وأجهزة السلطة والشرطة وحتى التمييز في الخدمات الاجتماعية كالتعليم أو الصحة أو غيرها تحت عنوان وآخر.لا يجوز أن تحتكر الأغلبية امتيازات المواطنة والحكم والأخطر من ذلك هو أن يتم قهر الأغلبية باحتكار الأقليات لها.كذلك تستلزم الوحدة الإرادية احترام الخصوصيات دينية أم طائفية أم قومية. والإقرار بالخصائص الثقافية والتراثية والمعتقدات واللغة الخاصة إلى جانب اللغة الرسمية أو لغة الأغلبية.إن العدالة الاجتماعية وتوفير الكرامة والمساواة في الحقوق والواجبات وتوفير الخدمات والتنمية المتكافئة هي أساس تماسك وحدة التنوع، وبدون ذلك لا يتحقق التماسك اللازم لا للوحدة القطرية أو للوحدة الأكبر في ظل عالم لا تعيش فيه إلا المتحدات الأكبر.يعاني الوطن العربي من نتائج إنعدام إعطاء هذا الأمر حقه سواء في الأقطار التي تفجرت فيها المشكلة، أو حتى الأقطار التي ما زالت المشكلة فيها كامنة والتي عليها أن تنتبه لهشاشة التماسك الظاهري، لأن ذلك سينتهي بالانفجار الحتمي في أية لحظة ضعف ذاتية أو أمام أية عاصفة دولية، وخاصة عواصف الاستعمار والسيطرة والهيمنة.لا بد من المساواة في المواطنة وحقوقها: المساواة في التعليم والوظائف العليا والمشاركة في أجهزة وأطر السيادة وتوزيع الثروة حتى في النطاق الجهوي.من الواضح أن الطريق الأول أخذ نصيبه ومصيره المعتم حتى الآن في الكثير من الأقطار العربية.ليس خافياً ما يجري في العراق من تكريس للتقسيم وخلق كيانات يمكن أن يشكل بعضها دول الأمر الواقع على طريق التحول إلى الدولة المستقلة.وليس خافياً ما حدث في السودان، ولكن الأنكى والأشد بلوى هو ما يجري في سوريا وظلاله في لبنان، وفي اليمن، وما يلوح في مواقع أخرى.لا شك أن نزعات الهيمنة الخارجية الاستعمارية ونزعات الهيمنة الاقليمية تلعب دوراً في استثمار هشاشة التماسك وثغرات سلوك الأنظمة.ولا شك كذلك أنه في خضم معركة المصير الوطني لا يمكن أن يكون المعيار إلا بين الخندق الذي من شأنه الحفاظ على وحدة الوطن وقوة الجيش وعدم تدمير مقومات وإمكانيات الدولة. وبين الخندق الآخر الذي من شأنه أن يصب في الاتجاه المعاكس.هذه لحظة تتطلب الرهان على الخندق الأول بغض النظر عن رموزه أو سلوكهم وبغض النظر عن الجراح، وذلك على أساس الاصلاح واستدراك الأخطاء، ربما في اللحظات الأخيرة قبل فوات الأوان.وعلى الأطراف التي دُفعت بطريقة أو بأخرى أن تكون في الخندق السلبي، ان تراجع مواقفها كذلك وأن تنضوي في إطار شبكة أمان وطنية تمنع التقسيم والتدمير لأن الوطن وطن للجميع. خاصة وأن قوى الأطماع الاقليمية والاستعمارية تستعمل العناصر الدخيلة لإطالة الفتن وتعميقها، وإطالة عملية التدمير الذاتي وتركيزها لكي تؤدي النتائج التقسيمية والتدميرية والتأثيرات الديموغرافية السلبية.لا يستطيع الوطن العربي أن يستغني عن أي من مكوناته، والعالم الخارجي يحاول أن يكون جاذباً لأجزاء من هذه المكونات كالمسيحيين على سبيل المثال. وهو أمر بالغ الخطورة لأن هجرة مسيحيي الشرق أبناء هذه البلاد هو سيف ضد الأمة العربية بحدية،وكذلك ضد تاريخها وثقافتها وحضارتها وتراثها ومكونها الوطني والقومي.المسيحيون شركاء في كل أنواع الكفاح القومي بل وفي نهوض روح القومية العربية، وفي الدفاع عن الوطن وهم جزء عضوي لا يمكن للجسد القومي أن يقبل ضموره أو بتره.هناك خط توازن خاص بالوطن العربي لتحقيق التماسك والوحدة وابقائهما في إطار المساواة وعدم التمييز، وهو القدرة على ضبط الخط الدقيق بين عاملين أساسيين للوحدة هما العروبة والإسلام. حيث يمكن أن يبرز لون العروبة في المواقع ذات الخصوصية التي تتطلب ذلك، وأن يكون ذلك العنوان والبروز على أسس من المساواة والعدالة ووحدة الجسد، وأن تتوفر فرص للتنوع ليجد مكانه في إطار الوحدة.تفجرت مشاكل كبيرة وخطيرة نراها بأم العين أمامنا، وتحتاج إلى علاج يعتمد أولاً على ردم الهوة، والاتفاق على وحدة الوطن والتوقف عن تدميره وتدمير الذات، وعزل العناصر الدخيلة المستخدمة على المستوى الفردي والجماعي من كل الأطراف على أساس إعادة الحسابات، ووضع خارطة طريق تصل إلى التغيير والإصلاح الأعمق والأشمل في البلاد.ما زالت المشاكل غير متفجرة في مواقع أخرى، ولكنها تنام على جمر هادئ، ولا بد من استدراك الأمور قبل وقوع الحدث عن طريق تعزيز وحدة التنوع، والمساواة في الحقوق والواجبات والعدالة الاجتماعية والمشاركة وتكافؤ الفرص وتوفير الكرامة وعدم التمييز.من الواجب أن تعي كل الأطراف المعنية خارطة الطريق الخاصة بظروفها لتحقيق الهدف ووحدة التنوع.إن التمييز السكاني وبين الفئات السكانية هو نار كامنة مدمرة تنفجر إذا وهنت السلطة المركزية أو في حال توفر أية قوة خارجية يستعان بها، ويصل الأمر في ذلك حتى عمى الألوان.إن أكبر ضمانة لوحدة الوطن وحمايته من الانقسامات الأهلية ومن فرص توفر الثغرات، وحتى لحماية النظام والكيان هو التماسك الوطني والتماسك بين السلطة وعموم الشعب.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق